صور إنسانية من الزلزال المدمر في المغرب: تضامن وتكافل الشعب المغربي يأسر العالم
ثلاث أيام على وقوع الزلزال المدمر، لم يكن أحد يتوقع الكارثة الرهيبة التي هزت الأرواح والممتلكات في 9 سبتمبر/أيلول 2023 . تحولت الليلة، التي كانت تتأهب في هدوء لإسدال الستار عن يوم عادي، إلى فزع وهلع وبكاء مزّق سكون الليل البهيم وقضّ مضجع النائمين. قوة تلك الرّجة، هزت أركان الأفئدة كما اهتزت لها اصقاع بلادي.
الزلزال المدمر في المغرب: صور مؤثرة في تكاتف الشعب والتحديات الكبيرة
فاجعة الزلزال الذي ضرب عدة مدن في المغرب، كانت مروعة بكل المقاييس. ما يناهز 2000 وفاة، و أكثر من 2421 شخصاً آخرين أصيبوا بجروح خطيرة، بينما نزح اعداد من منازلهم التي بسّت وأضحت مقابر جماعية. قرى دمرت وسويت بالأرض، عائلات قضت بالكامل وأفراد فقدوا أغلب أحبابهم تحت ركام المنازل التي انهارت على رؤوسهم في ثواني معدودة.
حصيلة الارقام وإن بدت كبيرة إلا أنها لا تصور حجم الفاجعة على ارض الواقع، ولا تعكس ولو جانبا من الألم والاسى الذي شعر ويشعر به الشعب المغربي إثر النازلة. صور المآسي في تلك الأماكن الوعرة أكبر من أن تصفها كلمات أو يصورها رقم، ولن يشعر بمدى فداحة المشهد إلا من حمل نفسه على التوجه إلى هناك قاطعا مسافات عساه يساهم في إحياء نفوس انهال عليها التراب، أو يقدم بعض الدعم للساكنة الناجية التي تلتحف الأرض طاوية في العراء، فقدت السكن إلى الأهل والمسكن الهش الذي كان يسترها رغم بساطته، فقدت كل شيء ولا تقول إلا الحمد لله على كل حال.
بلدات ودواوير طُمست فيهما معالم الحياة؛ كإمينتالا بدوار امزميز نواحي مراكش الذي استحال إلى أثر بعد عين، دوار اغرساف وايت لحسن ناحية تيزنتاست، أغرد، أغري، تامسيلت، دوار الدوزور، توريرت ... والعديد العديد من القرى بضواحي تارودانت؛ دوار ادالوالي، دوار تارنيوين... يستغيث فيها من بقي على قيد الحياة بالمسؤولين.
ورغم إعلان استجابة السلطات المغربية بسرعة لهذه الكارثة، مؤكدة، حسب تقرير أحد المسؤولين، عملها على إيواء السكان غير القادرين على العودة لمنازلهم في المناطق المتضررة، محاولة التغلب على انقطاع الطرق في محيط تارودانت، بإرسالها رجال الإنقاذ والمروحيات إلى المناطق المتضررة على الفور، إلا أن سكان بعض الدواوير ينفون تلقيهم الدعم والمساعدة من السلطات..
فرق الأمن، الدرك والوقاية المدنية، يبذلون المجهود في توصيل المدد و انتشال جثث الضحايا، لكن للأسف بقيت أطراف مترامية وجماعات لم يصلها شيء، منها: دوار ايوزيون، دوار إيريك، اين أوغلو، تسراس، جماعة توغمرت إقليم تارودانت.
هناك أناس ينتظرون الى الآن من يمد لهم يد العون لاخراج جثث استعصى إنتشالها من تحت الحطام بسبب الانهيارات الصخرية، التي أغلقت الطرق المؤدية إلى تلك القرى المعزولة والمتوارية بين فجاج جبال الأطلس الكبير وفوقها، مما اضطر السكان إلى تشمير سواعدهم واستخدام ايديهم في البحث والحغر بآمال ضعيفة في العثور على احياء أمام الخراب الذي حل بهم.
القصص مأساوية تبكي الحجر، يرويها الناجون من الزلزال بقلوب مكلومة وعيون تذرف دموع الحسرة والعجز عن حماية احبابهم وذويهم من قدر أتى على حين غرة، فانكبوا يقصّون أثر حطام الديار، يتحسسون التراب لعلّهم يسمعون صوتا يبشرهم بدبيب الحياة لحبيب او قريب او جار.
"لا حول لي الآن، لا أريد سوى الابتعاد عن العالم لأحزن في صمت" كلمات فيها من المرارة والوجع ما الله أعلم به، عبّر بها 'سي حسن' من بلدة مولاي ابراهيم عن أساه لفقد زوجته وأربعة من فلذة كبده.
نساء ترملن وفقدن عضضهن، مسنة تبكي قائلة لاحد الشباب"لم يعد لي أحد، هذا ما تبقى من البيت كما ترى صرت أخاف الدخول إليه مخافة أن ينهار عليّ، وقد فقدت من يرممه، ذهب الزوج والأولاد وبقيت وحدي ليس لي إلا الله"
رجل فقد 20 شخصا من أفراد عائلته. 'أسماء' سيدة أخرى فقدت زوجها واولادها 'حسن وغزلان وإلياس وإلهام' قضوا جميعا جراء الزلزال. طفلة فقدت كل افراد اسرتها، أغلب التلاميذ في بعض الجماعات لقوا حتفهم بتصريح من اساتذتهم.
الزلزال الذي كان مركزه منطقة "اغيل" إقليم الحوز جنوب مراكش، قلب حياة الكثيرين رأسًا على عقب في رمشة عين، بعض الأفراد لم يستيقظوا من هول الفقد، أسأل الله أن يثبتهم ويربط على قلوبهم. أطفال بقوا فرادى لم يستوعبوا بعد ما حدث لهم ولآبائهم وأمهاتهم الذين فارقوا الحياة، تقبلهم الله عنده وجعلهم من الشهداء، أسأله سبحانه أن يؤنس وحشة الصغار ويتولاهم بعنايته ورحمته.
ان زلزال الحوز عاد بنا الى زلزال أكادير في الستينات، الذي خلف خسائر جسيمة. لكن رغم خطورته، إلا أنه لم يصل إلى مستوى الأضرار التي خلفتها بعض الزلازل في بعض الدول مؤخرًا، مثل تركيا ومناطق أخرى تقع على تقاطع صفائح بحرية وقارية تجعل الزلازل هناك أكثر عنفًا، إذ تلعب العوامل الجغرافية دورًا حاسمًا في التقليل اوالزيادة من حدة تأثير هذه الكوارث.
ويعتقد الباحثون المغاربة أن جبال الأطلس امتصت قوة هذا الزلزال الذي كان يتوقع ان يكون اكثر دمارا مما بدا عليه، حيث أن توجُّه الموجات الزلزالية نحو الجبال، أدى إلى تخفيف قوتها قبل وصولها إلى المناطق الأخرى. هذا يظهر أهمية هذه التضاريس المرتفعة الجغرافية في تثبيت الأرض وتقليل التأثيرات السلبية للزلازل.
أما عالم الزلازل والكوارث الطبيعية، عيد الطرزي، وصف زلزال المغرب بأنه "مدمر"، مشيرًا إلى أن قوته تعادل 25 قنبلة نووية فيما يتعلق بكمية الدمار التي تسببها. زلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر يعتبر قويًا جدًا، حيث أنه قادر على إنتاج تسارع أرضي هائل يبلغ ما بين 200 إلى 300 سنتيمتر مربع في الثانية. هذه القوة الهائلة قادرة على تمزق مباني الاسمنت والبنيات التحتية، خصوصًا إذا لم تكن مصممة لمقاومة الزلازل كما هو الحال للبنايات المتضررة التي بنيت بالتراب المدكوك في مجموع القرى والبوادي المتواجدة بأعالي جبال الأطلس.
وسط ظلام المشاهد المؤلمة التي عشناها في هذا المصاب الأليم، لمعت في الجانب الاخر مواقف مضيئة من التكافل والتآزر بين مختلف شرائح المجتمع المغربي التي هبت هبة رجل واحد لتقديم المساعدات المادية والمعنوية، ونجدة جرحى ومتضرري الزلزال الذي اعتبر الأعنف في تاريخ المغرب، فتسابق المغاربة إلى المحلات التجارية لاقتناء المواد الغذائية والبطانيات وغيرها من الاحتياجات لمنكوبي الزلزال، وتحركت قوافل المساعدات والتبرعات نحو اهالينا هناك. مئات المواطنين رغم غلاء الأسعار وصعوبة الظرف المتزامن مع الدخول المدرسي، لم يترددوا في تقديم العون بجميع الشكال الممكنة.
في ظل هذا الوضع الصعب، لم يتأخر المغاربة في التبرع بالدم لإنقاذ حياة المصابين والجرحى. وبمجرد إطلاق المركز الوطني للتبرع بالدم نداء للمواطنين للمساهمة، هرع جمع غفير من المواطنين إلى وحدات التبرع بالدم في مختلف مناطق البلاد، تلك الحشود كانت مستعدة للانتظار لساعات طويلة من أجل تقديم المساعدة ، وفاء لعرى الوطنية والانسانية وتلبية لنداء الوطن.
ورغم ظهور شرذمة من التجار منعدمي الضمير الذين استغلوا الازمة فرفعوا الأسعار، بيد أن كم المساهمات الفردية للمجتمع المدني ومسيرة القوافل التي كانت على مد البصر، والتي سارعت فورا بجمع التبرعات، غلب فعال تلك الفئة من تجار الأزمات ، الشاذة عن امتنا.
كلنا تأثرنا ببادرة المخبزة المتنقلة التي تنتج 200 خبزة على رأس كل ساعة، ولن ننسى مولّد الكهرباء الذي صنعه الشباب الرائع من بطاريات لتوفير الإنارة لساكنة بعض الدواوير، ووددنا لو أن نورها يتسع ليبدد عتمة الدواوير والقرى جميعا.
لقد دمعت عيوننا بمشهد المواطن البسيط الذي لم يجد في منزله ما يجود به لضحايا الزلزال سوى نصف كيس من الدقيق، اخذه على دراجته الهوائية الى عين المكان.
مشاهد كثيرة، رفعت معنوياتنا وستبقى محفورة في ذاكرة كل المغاربة، لن ننسى أبدا مساهمة المرأة المغربية الحرة بخاتمها الذهب الوحيد، صاحب المقهى السياحي الذي وفر الطعام مجانا للمسعفين الغرباء عن المنطقة، الطفل المتبرّع بورقة نقدية من فئة 100 درهم لسائق شاحنة كان متجها بمساعدات عينية للمصابين... ستظل صور التلاحم و العطاء هاته محفورة في العمق إلى الأبد.
هكذا هم أبناء وطني الاحرار وهذا ديدنهم في الأوقات الصعبة، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ولا يمكن إلا أن نشعر بالفخر والاعتزاز بالروح التي أظهرها شعب المغرب الأبي.. و لولا الاستجابة الفورية، لاتخذ الوضع أبعادًا أسوأ بكثير.
لن اختم قبل ان انوه بالدور الذي قام به عدد من المؤثرين والمؤثرات المغاربة، داخل المغرب وخارجه، على منصات التواصل في تحريك الحس الانساني الوطني في قلوب متابعيهم بتسليط الضوء على بؤرة الأحداث. وهنا نموذج 👇
هادشي كيفرّح، الخير في المغاربة لا ينضب ولله الحمد. وعلى قدر قساوة زلزال القرن -كما اسموه-، على قدر الفخر الذين شعرنا به اتجاه الشباب المغربي من مؤثرين ومؤثرات ومساهمين من خيرة البلاد، فلكم جميعا من القلب تحية إكبار وافتخار والله رفعتم هامتنا عاليا.
لقد عكس الزلزال المدمر قوة التضامن والإنسانية في وجه الكوارث، وكيف خلق الشعب المغربي من الألم أملا بروحه وتوحده وقوة إرادته على مواجهة الجحيم ومقدرته على خلق نفس جديد.
ولعل الأوان قد حان للنهوض بتلك المناطق النائية ونأمل أن نحافظ على نفس الروح في المرحلة القادمة، كما نأمل أن تساهم حادثة الزلزال في تعزيز الوعي بضرورة التحضير والاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية وبناء مجتمعات أكثر تكاثفًا وإنسانية، فقد استشعرنا بالفعل أهمية التكافل والتلاحم في أصعب اللحظات..
إن أمرا إذا جاء، فلا مهرب منه ولا مرد له من الله، وإذا كان هناك شيء نستطيع استخلاصه من هذا الزلزال ومن اللحظات التي عشناها فهو التعجيل بالأوبة والعودة إلى الله من اللحظة لأننا سائرون إليه سبحانه، وأي نفس حان أجلها فلا تستطيع أن تستأخر دقيقة مهما توسلت او فعلت من تحصين وحماية { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم}. على كل إنسان أن يراجع نفسه قبل الفوات.
بقي نداء أوجهه لمن أراد التطوع والذهاب بسيارته، المرجو الحذر فالمكان يشكل خطرا بسبب انهيار الأحجار من الجبال جراء الزلزال، وأفضل طريقة في نظري هي التواصل مع أشخاص أو جمعيات موثوقة فهم ينسقون فيما بينهم، ويعرفون الأماكن جيدا ويطلعون عن كثب على الخصاص الموجود بها.
ولذا فتوزيع المساعدات العينية او النقدية المقدمة من ناس الخير يتم حسب حاجة الدواوير، هكذا ستنظم حملات العطاء، ونضمن أن كل دوار سيحظى بنصيبه من الدعم. وقد قام شبابنا بالتعاون مع باحثين ومختصين، بإنشاء مبادرة تطوعية "نتعاونوا" ووضعوا جميع المعلومات والاحصاءات للمتطوعين، حتى يحرصون على استفادة أهالي جميع المناطق المتأثرة بالزلزال.
تعاونك يحدث فرقا، من أجل المزيد من التعاضد والتآزر هذه بعض الجمعيات الموثوقة للتبرع
Opération atlas ومبادرة Oumawahda
Aji nt3awnou
مؤسسة عطاء ataafoundation
لا تنسوا أهلنا في ورززات ونواحي تارودانت فحظهم من الدعم كان قليلا، أغلب المساعدات تتجه للحوز، وللعلم فقد تم تعزيز فرق القوات المسلحة الملكية بفرق مختصة بالتسلق للوصول الى الضحايا في الاماكن الوعرة، وأغلب المتضررين هناك لديهم ما يكفي من الغذاء، بل إنه فاض عن حاجتهم ولله الحمد في بعض الدواوير الله يكثر خير عباد الله. لكنهم يحتاجون الآن أكثر إلى معدات طبية، أدوية، ملابس دافئة ( كبابط جاكيتات وتريكوات احذية دودونات لي قدر يشري يشري لي مقدرش يعتبرهم وليداتو ويعطي لي عندو ويجود بالموجود الله يتقبل منو). يحتاجون أيضا أغطية وخيام تحميهم مؤقتا من ضراوة الطبيعة وقساوة الجو، وجزى الله خيرا كل من أعان وساعد بقليل أو أكثير، ورحم الله الموتى وصبر ذويهم واعانهم على تحمل المصاب الجلل. وإنا لله وإنا إليه راجعون
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...