كاميـرات المراقبة في غياب رقابة ذاتية
في الأسابيع القليلة الماضية زف إعلامنا خبر إطلاق أول مشروع من نوعه في المملكة لتطوير نظام المراقبة الحضرية لنبض شوارع العاصمة الاقتصادية البيضاء بواسطة التقنية الالكترونية الذكية حيث تم تثبيت 760 كاميرا متعددة الاستعمالات وربطها بمراكز خاصة بولاية أمن المدينة ضمانا لسلامة الأشخاص والممتلكات. المشروع رصدت له ميزانية ضخمة لما له من دور في رصد المخالفات القانونية بشكل عام، وخفض معدل الجريمة التي سجلت ارتفاعا مهولا في الآونة الأخيرة ببلدنا الحبيب، خطوة استحمدها المواطن المغربي الذي ضج من مضايقات الدهماء وروعته الممارسات الشنعاء في حله وترحاله.
بيد أن كم المخالفات التي رصدتها العيون الرقمية في السويعات الأولى فقط من اعتمادها استوقفني وأصابني بالذهول .. تساؤلات انهالت علي عجل .. ما هذه الفوضى التي تموج فيها البلاد والعباد ؟ ألهذه الدرجة بلغ بنا الميلان عن الجادة وسباقنا المحموم على المادة ؟ لماذا انفلتت الطبائع الإنسانية وجفت ينابيعها في الإنسان ؟ كيف أجهزت الأثرة والاستغراق في الذات على تماسك نسيجنا المجتمعي ؟ أتراها ضريبة المدنية الحديثة والنتيجة الطبيعية للانغماس في لوثة الثقافة الغربية حتى التماهي ؟ أسئلة كثيرة لها بداية وليست لها نهاية ، السؤال منها يستفز آخر ولا ينتهي بنا إلا في متاهة أوضاع يؤكد حالها على ضرورة الأخلاق كرهان لبقاء الشعوب ؛ لأنها مهما حققت من رقي حضاري وعلمي فلا مندوحة لها عن أخلاق راقية تضمن بقاءها وتحفظ أمنها وأمانها.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لقد كان السلوك الإنساني مجال بحث ودراسة في علم الأنثروبولوجيا أوعلم الإنسان لما يشكله هذا الأخير من مركزية للكون وأساس للتغيير، الكائن الذي خلق من جسد وروح، تحركه غرائز متنوعة واحتياجات متعددة ؛ تركيبة متفاعلة ومعقدة تجعله يترنح مرة بين التردى في دركات المادة والأثرة عندما تطغى عليه جبلته الأرضية ورغباته السفلية، فيتحول إلى حيوان ضار ومفترس ، والترقى أخرى في مراتب النور، يسمو بالروح كلما فعل مقومات الإنسانية في سعيه لعمارة الأرض كخليفة لله عليها .
ولما كان سبحانه وتعالى خبيرا بعباده ، عليما بما توسوس به نفوسهم جعل فيهم حس الضمير متمثلا في الذات الإنسانية ، الأنا الأعلى كما يطلق عليها في علم النفس، سماها الحق جل في علاه النفس اللوامة ، لتكون الحكامة بين إرادة العقل والقلب، تلجم الفعال عن الزيغ، وهي التي تتجلى في السلوك الظاهري الذي يراه الناس وفق ما يبطنه الشخص من أفكار، مشاعر وقناعات. وفي حالة غياب سلطة هذا الشرطي الصارم الذي يشعر بالمسؤولية جاء التشريع كرقابة قانونية رادا لمظالم العباد، حافظا لحقوقهم ومنظما لعلاقاتهم.
لا تقاس درجة تقدم الأمم بتطاول البنيان ، وجمال العمران .. فقط ، ولا بالوصول إلى المريخ ، وعدد الصواريخ ، وإنما تقاس بمبلغها من رقي الأخلاق ونبل القيم.
ولـيس بـعامر بـنيان قوم
إن أخلاقهم كانت خرابا
مليكة حرر في 19/05/2016
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...