الدكتورة إسراء سعيد البابلي مسار كفاح ومنارة نجاح
الدكتورة إسراء سعيد البابلي نجمة غلاف مجلة سيدتي في عدد 18 أبريل 2018 مسار كفاح ومنارة نجاح
رغم أن العالم مليء بالمعاناة إلا أنه أيضاً ممتلىء بمن يقهرونها ' هيلين كيلر '
الحياة وغى حامية الوطيس ، لا مكان في باحتها لأصحاب الهمم الضعيفة . فهي تضع المرء دائما أمام خيارين إثنين ، وعليه أن يحسم موقفه ويقرر؛ إما أن يكون ضحية واقعه ومحيطه ، متأثرا بما يعتمل فيه فاقدا للآمال ، أو مؤثرا فاعلا يملك ذخيرة زاخرة من العناد والعزم تخترق المحال . نموذج اليوم يمثل الصنف الثاني، يروي مسيرة نجاح مذهل شدّ الزمام إلى آخر محطة .
الدكتورة إسراء سعيد البابلي مصارعة مصرية في حلبة الحياة ، كانت المواقف القاسية وقودها وحافزها للانجاز والصمود .
قدمت إسراء إلى الدنيا بسمع أصم ، غير أن إرادتها كانت كالجبل الأشم . لما أكملت عامها الأول لاحظ والديها عدم تجاوبها مع عالمها الخارجي ، فساورهما شك على وجود خطب ، ما دفعهما لإجراء كشف طبي أثبت أن لديها قصورا حادا في حاسة السمع . لم يسلم الوالدين للسع الخبر، ودأبا فورا مشوار العلاج متنقلين بابنتهما بين القاهرة ولندن . ُركّبت لها سماعة أذن ونصحهما الأطباء بضرورة تدريبها على التخاطب ؛ لأنه الحل الأمثل المتاح لحالة الصمم وقتها .
ابتدرت البطلة حصصها المكثفة من الجلسات، وفي عمر السنتين نطقت كلمات معدودات بلسان ألكن ، واستطاعت التواصل والإندماج بلكنتها تلك وعباراتها القليلة مع أقرانها وأفراد أسرتها كشخص عادي يتميز فقط عن الآخرين بقدرات جبارة في مجابهة الصعوبات . ولما شبّت وبلغت سن التمدرس تقدم والداها يسابقهما الحماس لإلحاقها بصفوف المتمدرسين ، بيد أنهما اصطدما برفض صارم من المؤسسات التعليمية المصرية كبح رغبتهما وأطفأ فرحة طفلتهما البريئة .
ولما طرقت الأسرة أبواب المدارس دون جدوى ، ارتـأت أن تنتقل إلى دولة البحرين مقر عمل الأب ، الذي رأى أحقية ابنته الذكية في العلم والإهتمام مثل بــــاقي الأطفال ، وبرأفته الآبوية كان يطمح أن تحقق ذاتها كعنصر فعال ضمن المجتمع في أي مجال لا يتطلب التواصل اللفظي كمجال الفنون . بالبحرين وجدت السبلة الصغيرة الرعاية اللازمة لمثيلاتها من ذوي الاحتياجات الخاصة حيث استمرت في جلسات التخاطب ، وبالتوازي مع ذلك باشرت تعليمها الإبتدائي . فأبانت عن إقبال شديد للعلم ، وكانت متفوقة طيلة أقسامها الدراسية حتى أنهت الثانوي بمعدل عالي .
وها قد بدت نهاية مسارها الدراسي على مرمى حجر، فبعد عودتها إلى حضن مصر وخضوعها بمدينة الإسكندرية لعملية زراعة قوقعة، فاجأت الجميع سنة 2008 برغبتها الملحة في ولوج كلية استأثر بها الأصحاء لزمن . قررت تحقيق حلم الطفولة العتي في الإنتساب لكلية طب الأسنان ، ولاغرو أبدا في اختيارها وهي التي ألفت خوض غمار التحديات منذ قدومها الحياة .
لم يكن مشوارها الجامعي مفروشا بالورود ، فقد ذاقت الأمرّين بسبب ما لاقته من صعوبة في التواصل مع أساتذتها وزملائها من ناحية ، وعنت مجتمع لم يرحمها من ناحية ثانية ؛ كانت تشعر أحيانا أنه يعاقبها على أمر لا دخل لها فيه . تجاهلت كل ذلك ومضت في طريـقها غير مبالية بشيء ، تعانـد الأحداث ولسان حالها يردد : الإنسان طول ما هو قوي ولا يستسلم سيجد العالم كله يركع أمامه .
اجتازت إسراء سنوات الأنواء بتفوق كالمعتاد ونالت شهادة التخرج كأول طبيبة أسنان صماء ، وفتحت لها عيادة خاصة تستقبل مرضاها بوجه بشوش وضاء .
إن العوائق لا تكمن أبدا في العوارض والأحداث ، ولكنها تكمن بالأفكار الرثة والذوات الهشة ، تكمن في الجبن وانعدام القابلية لمواجهة المحن . إن " مقياس النجاح ليس يقاس بالمواقع التي يتبوؤها المرء بقدر ما يقاس بالصعاب التي تغلب عليها "
ومن خلال تدارس سير الناجحين نجد الإقدام وعدم الإستسلام لما مروا به من ظروف قاسم مشترك بين جموع الناجحين .
إن النجاح هو ثمرة جنية طيبة الطعم يستحيل قطافها والانسان قابع في مكانه مكبل اليدين ، يجب أن يضنى ويشقى قبل أن يتذوق طعمها، بل اللذاذة كل اللذاذة في السعي المستمر للوصول لتلك الغاية في نهاية المطاف .
ودمتم بسلام ووئام مليكة
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...