كان عنوانا لكتاب لمحته ذات في مكتبة البيت، استثارني وفتح نفسي لإستكشاف ما ينطوي عليه... وذلك هو شأن الأديب الحاذق في اختيار عناوين مخطوطاته، إذ يشد القارئ ولا يرسله إلا وقد بعث في حنايا فكره ألف علامة استفهام، وألف رغبة في اقتناء المؤلف..
تناولته فإذا هي رواية، نسيت صاحبتها بيد أني لم أنس أبدا عنوانها إلى هاته اللحظة حيث استلهمته فاتحة للتدوينة هاهنا..
بدأت في إلتهام الصفحات، كل صفحة تشدني إلى أختها. وقد بدت على وجهي أمارات التأثر، حركت فضول أخي الذي دخل الغرفة دون أن أنتبه؛ كنت مستغرقة تماما في القراءة، أو بالأحرى انتقلت على غير هوى إلى عالم الرواية..
لم أستفق إلا على يد أخي وهو يأخذ مني الكتاب محذرا : إياك أن تحمليه مرة أخرى ..
ذعرت من ردة فعله، لكني لم أنبس ببنت شفة.. طبعا، ومن يملك منا الشجاعة ليخاطب أخي عندما ينفعل !
لم أدرك لسورة غضبه تفسيرا حينها، وأتممت قراءة الرواية خلسة، وليسامحني على ذلك، لكن الفضول كان أكبر من أن أستسلم لرغبته، فكنت أتحين فرصة ذهابه للعمل لأطالع أكبر جزء ثم أعيدها إلى مكانها، وهكذا حتى أنهيتها..
لقد طبعت في نفسي أثرا عميقا، وربما أكبر من أن تتحمله فتاة في الصف التاسع إعدادي، ولعله السبب وراء غضب أخي ذاك، بيد أنها فتحت عيناي على أمور لم أكن أعلم عنها شيئا في عالم الإنسان الإنتهازي الماكر..
كنت أتعامل ببراءة شديدة لا تليق بمستوى النيات المدسوسة، ولا تليق أيضا بمستوى غٍيّر الحياة وألوانها.
نعم، إكتشفت يومها غداة قراءة الرواية أني مثل بطلتها 'جئت لا أعلم فعلمتني الحياة'، مع فارق كبير لا من حيث الوقائع والحيثيات، ولا من حيث الحجم والمتغيرات..
إلا أن مسار تعلمها توقف عند آخر صفحة، ومسار تعلمي بقي مستمرا بوتيرة تصاعدية..
تجارب الحياة هي التي تحدد عمر الانسان مثل الحلقات السنوية التي تحدد عمر الأشجار" هوبير
ثم اكتشفت مرة أخرى بعد 2002/04/24 أني كنت لا أعلم فعلمني المرض دروسا كُتبت بدماء القلب .
علمني المرض أن :
- المعاناة والمشاكل في هذه الدنيا مهما اشتدت وتيرتهما، فإنها لا تساوي شيئا أمام تنعم الإنسان بالعافية ولا شيء يعادل هذه النعمة.
- التجارب تأتي لتقوي عودنا الطري، وتهيئــــنا لأمر ثقيل قد لا نقوى على حَمله، ولله حكمة وتدبير في كل شيء.
- المحن تأتي على غفلة دائما.
- مجرد تغيير النظرة للأمور يغير معه مجموعة من الأشياء في حياتنا.
- اغـتنام كل لحظة في الصحة للتجارة مع الله هو عين الحكمة والربح الحقيقي .
- القيـــمة الحــقيــقيـــة للأشياء والنعم لا تعرف إلا عند الفقد، أسأل الله النجاة والتجاوز عن كل غافل.
- عبادة التضرع الى الله ، وأدب الوقوف ببابه من أعظم القربات إلى الله تعالى، ومنتجع لتنفيس منغصات الحياة.
- المرونة والتأهب للبدء من جديد دائـــــما ، وعدم النظر للوراء هي أولى الخطوات العملية التي يجب اتخاذها.
- المرونة والبحث الدؤوب عن بدائل جديـــــــــــــدة من الحلول الممتازة لتغيير النمط القاتل الذي نعيشه.
- عدم الاستسلام مهما كثرت الإخفاقــــات، يحيل الكبـوات إلى نجاحات.
- من مخاض الأزمة يولد فجر جديد نولـد معه بعــثا آخر.
- نخلق لأنفسنا العالم الداخلي الذي نحب أن نعيش فيه مهما تنمرت وقست الحياة
- الإرادة، السعادة والعزيمة منبعهم من هناك من أعماق نفسك ومن الحمق والسذاجة أن تربطهم بشخص أو حدث مهما كان الظرف
من القصائد التي تأخذ مني مأخذا، وأبدع فيها صاحبها الشاعر مصطفى حمام أيما إبداع، وصور فيها ربيع البيان وسحر البلاغة، ارتأيت أن أسـوقها بتصرف لأنـها طويلة جدا :
علمـتني الحـياة أن أتلـقى **** كل ألوانــها رضـا وقبـــولا
ورأيت الرضا يخفف أثقالي **** لي ويلقي على المآسي سدولا
والذي ألــهم الرضــا لاتراه**** أبد الدهر حاسدًا أوعــذولا
أنا راض بكل ما كتب الله لي **** ومزج إليه حمدًا جزيــــلا
أنا راضٍ بكل صنف من النا**** س لئيما ألفيته أو نبيــــلا
لست أخشى من اللئيم أذاه**** لا ولن أسأل النبيل فتـــيلا
في فؤادي لكل ضيف مكان **** فكن الضيف مؤنسا أو ثقــيلا
ضلّ من يحسب الرضا عن **** هوانَ أو يراهُ على النّفاق دليــلا
فالرضا نعمة من الله لم يسْـ ****عدْ بها في العــباد إلا القـليلا
والرضا آية البراءة والإيــ **** مــان بــالله نـاصـرا ووكيــــلا
علمتني الحــياة أن لهــا **** طعمين مرًا وسائغًا معســـولا
فتعودت حالتيها قريـــرا **** وألفت التغيــير والتبديــــلا
أيها الناس كلنا شارب الكأ**** سين إن علقمًا أو سلسبيـــلا
نحن كالرّوض نضرة وذبولا*** نحن كــالنجم مـطلعًا وأفــولا
قد تسرّي الحياة عني فتبدي****سخريات الورى قبيـلا قبيــلا
فـأراهـا مواعـظا ودروســا**** ويراها سواي خطــبا جليـــلا
علمتني الحياة أن الهوى سيــ **** ل فمن ذا الذي يردُّ السيـولا
ثم قالت والخير في الكون باق **** بل أرى الخير فيه أصلا أصيلا
إن ترى الشر مستفيضا فـهون **** لا يـحب الله اليؤوس الملـــولا
ويــطول الصراع بين النـقيـضي**** ن ويـطوي الزمـان جيـلا فجـيلا
وتــظل الأيام تعرض لونيــ **** هــا على الـناس بكرة وأصيـــلا
فذليل بالأمس صار عزيـزًا **** وعزيز بالأمس صار ذليــلا
ولقد ينهض العليل سلـيما **** ولقد يسقط السليم عليـــــلا
رب جوْعان يشتهي فسحة العم**** ر وشبعان يستحثّ الرحيـلا
وتظل الأرحام تدفع قابيــ **** لا فيُردَي ببغــيه هابيــــلا
قال صحبي نراك تشكو جروحا **** أين لحن الرضا رخيما جميـلا
قلت أما جروح نفسي فقد عـو **** دتها بلسم الرضا لتـــزولا
لست أرضى تحاسدا أو شقـاقا ****لست أرضى تخاذلا أو خمولا
علمتني الحياة أني إن عـشـ **** ت لنفسي أعش حقيرا هزيـلا
علمتني الحياة أنــي مهــما **** أتعلم فلا أزال جهـــــولا
ودمتم بسلام ووئام مليكة
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...