"إن المرأة التي تهز المهد بيمينها قادرة على أن تهز العالم بيسارها"
المقولة ليست بموقف متحيز
للمرأة، بقدر ما هي إقرار صريح بالقدرة الجبارة التي حباها الله، والتكريم الذي
خصها به سبحانه؛ فلم يخلقها لتكون مجرد متاع يشبع الإحتياجات الذكورية، وإلا لما
أوكل لها مهمة الإستخلاف والإعمار في الأرض مثلها مثل الرجل سواء، كما عادل بينهما
في التكريم والجزاء.
وقد تناولت مطولات الكتب قدسية
المرأة وقيمتها السامقة في الإسلام، كما نوه التاريخ بإنجازاتها العظام، فأنصفوها من
أي هرطقات حاولت تشييئها، والتنقيص من مكانتها. وحتى من تلك التي أرادت حشرها في
زاوية المناشدة بالمماثلة في الإرث، وما إلى ذلك من المغالطات التي جعلتها في مواجهة
مع شقيقها كندّين خصمين يبغي بعضهما على بعض، مع أن دورهما متكامل، لا يتفاضلان سوى
فيما فرضه تكوينهما الفيزيولوجي، وتركه كل طرف على بساط التاريخ البشري من أثر
يأبى الإندثار، خُلّد ذكره على مدى الأعصار.
وعلى غرار الرجل، فقد كان للمرأة إسهاما رياديا في جميع
مناحي الحياة، ومنذ مستهل الدعوية الإسلامية، لعبت الصحابيات دورا بطوليا في نصرة
الإسلام، في مقدمتهن:
* أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد الحصيفة الشريفة، أول من آمن
بدعوته صلى الله عليه وسلم، وابتدرته مؤزرة في أكثر المواقف حرجا بمقولتها الشهيرة ' كلا والله، لن يخزيك الله أبدا فإنك لتصل
الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق..
* السيدة نسيبة بنت كعب التي قطعت يدها في إحدى
الغزوات الإسلامية، وقال عنها رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام {لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من فلان
وفلان}
* السيدة صفية بنت
عبد المطلب عمة النبي وشقيقة حمزة بن عبد المطلب أسد الله، المقاتلة المجاهدة في المعارك، يوم غزوة الخندق تصدت ليهودي من بني قريظة اقتحم حصن حسان بن ثابت حيث كانت
تنزل إلى جانب نساء المسلمين، فقتلته مخافة أن يخبر عن مكان إيوائهن
* السيدة أم
سليم بنت ملحان الحكيمة الصابرة، من وهبت فلذة كبدها أنس لخدمة النبي عليه
الصلاة والسلام، وفي واقعة أحد كانت من بين الصحابيات اللواتي حملن قرب الماء يسقين
الجنود، ولما حمي الوطيس وتبلبل حال المسلمين في المعركة ظلت ثابتة تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببسالة منقطعة النظير، وتحث
زوجها طلحة على القتال، بشرت بالجنة في الحديث الشريف {دخلت الجنة، فسمعت فيها خشخشة
أي صوت وحركة فإذا هي الرميصاء}.
* السيدة أم حكيم بنت الحارث رضي الله عنهن جميعا وأرضاهن..
وأخريات في عهد التابعين من العالمات الرائدات اللواتي خُلّدت أسماؤهن في صفحات التاريخ، فكن ذوات فضل سلكن نفس درب السالفات في البناء
والإنماء، وكنّ بحق نابغات في العلم تتلمذ على يدهن ثلة من علماء الأمة؛ نورد من بينهن
على سبيل الذكر لا الحصر:
* السيدة زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية
التي أجازت إبن حجر العسقلاني،
* والملقبة بالمُسنِدة أم
هانئ بنت الهوريني التي درست النحو لجلال الدين السيوطي، ولا بد أن
نشير لمن عاصرت الملك نور الدين محمود، وكان يلجأ إليها شخصيا في أخذ
المشورة، وكانت بالفعل مرجعا وازنا في الفقه والفتوى وهي فاطمة بنت محمد بن
أحمد السمرقندي.
أما في الأدب والطب، نجد الشاعرة الصوفية عائشة
الباعونية، والأنصارية رفيدة بنت سعد الأسلمية أول طبيبة في الإسلام، كانت
صاحبة علم وجاه، أنفقت مالها في التطبيب إبان الغزوات، وأنشأت مستشفى ميدانيا تستقبل
فيه المصابين، وكان عبارة عن خيمة بالمسجد سميت بخيمة رفيدة، وكان رسول الله عليه صلاة
ربي وسلامه يجعل لها سهما من الغنائم مثل سائر المجاهدين، تقديرا لعملها الجبار في
سبيل الله.
هذا وقد ورد في التاريخ المغربي أيضا
ذكر نساء مناضلات ضارعن أصلب الرجال في النضال ضد الإحتلال كرحمة الحموش
البهلولية؛ المقاومة التي فحت بيتها مأوى سريا يضم المقاومين؛ وأخريات عالمات سباقات ببصمتهن الراسخة في العلوم، مثل تميمة بنت يوسف بن تاشفين الماهرة
في علوم الدين، وفاطمة الفهرية مؤسسة أول جامعة في العالم 'جامعة القرويين'.
نذكر كذلك:
* ثوريا الشاوي
أول امرأة عربية تتولى قيادة الطائرة سنة1952 وهي لم
تتجاوز ربيعها 16، لتكون أصغر ربانة تحلق بطائرة من نوع بيير إنطلاقا من مطار
الرباط إلى مطار الدار البيضاء. ولجت مدرسة الطيران فكانت المغربية الوحيدة وسط
تشكيلة من الطلبة الأجانب الذين كانوا يقذفونها بنظرات الإستصغار والعنصرية، بيد
أنها تمكنت من فرض مكانتها بكفاءة بزتهم جميعا في امتحان تخرجها، عندما استطاعت أن
تحلق بالطائرة على ارتفاع 3000 قدم وسط ظروف جوية سيئة للغاية.
* عائشة المكي
أول مظلية في المغرب، والعالم العربي، شاركت في
المباراة الدولية للطيران سنة 1956، وحصلت فيها على الجائزة الأولى
* رجاء الشرقاوي المرسلي
أول مغربية تحوز على جائزة لوريال اليونسكو في العلوم من الأمم المتحدة 2015 إثر دورها في ابتداع دليل HIGGS BOSON الجسم المسئول عن تكون الكتلة في
الكون.
إزدادت أستاذة الفيزياء النووية
بمدينة سلا عام 1954، عندما ظفرت بالمرتبة الأولى في الرياضات بثانوية ديكارت، كان
عليها خوض معركة اقناع الوالد للسفر خارج البلاد بغية الدراسة، كي تتوجه نحو
غرينويل بفرنسا، وهناك حصّلت على شهادة الدكتوراه بجامعة جوزيف فورييه، ثم عادت
أدراجها إلى مدينة الرباط، حيث قادت فريق البحث لتجربة 'أطلس'
* مريم شديد
أول عالمة أنثى تشد الرحال إلى
القطب الجنوبي رفقة فريق علمي لوضع منظار فضائي يرصد درجة إشعاع النجوم بعين المكان،
وعلى أرضيته البيضاء رفعت علم المغرب إلى جانب الدول المتقدمة. فهي عالمة ومهندسة
فلكية بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وأستاذة بجامعة نيس، تم إختيارها سنة
2008 كقيادية ضمن فريق 'دافوس' للشباب الأبرز في العالم،
ولدت بنت البيضاء سنة 1969، وشبت
في أسرة متوسطة الحال بحي درب السلطان، تحرك شغفها بالفلك من عمر الثانية عشر حين
أهدى لها أخوها الأكبر كتابا يتحدث عن الجاذبية. حصلت على إجازة في الفيزياء من
جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ثم انتقلت بعدها إلى فرنسا لإتمام دراستها
الأكاديمية بجامعة نيس، إذ تحصلت على الدكتوراة بجامعة بول سبتييه تولوز.
* كوثر حفيظي
العالمة في الذرة بزت علماء غربيين، فبعد نيلها الشهادة الجامعية شعبة الرياضيات والفيزياء من كلية العلوم
جامعة محمد الخامس بالرباط، توجهت إلى باريس حيث نالت الماجستير والدكتوراه في
مجال الطاقة الذرية، ثم استقرت في الولايات المتحدة الأمريكية التي قصدتها لإجراء
أبحاث علمية بمختبر 'أرجون' في ولاية فرجينيا، إذ تولت كأول
امرأة مركز مدير قسم الفيزياء من شمال إفريقيا تتولى مثل هذا المنصب.
يشاد بدور كوثر حفيظي في المساهمة في تطوير
مشاريع وأبحاث المختبر الأمريكي المذكور، وقد حازت على جائزته للتعددية في علوم
التكنولبوجيا.
* أسمهان الوافي
عالمة في الزراعة، حصدت الكثير من الجوائز الدولية، من بينها جائزة الامتياز في العلوم من منتدى المفكرين العالميين
لسنة 2018، ووشحها الملك محمد السادس في 2014 بوسام المكافأة الوطنية، وتم تصنيفها من طرف مؤسسة علوم المسلمين من بين 20 امرأة أكثر
تأثيرا في العلوم في العالم الإسلامي.
نالت السيدة الوافي شهادة الدكتوراة في علم الوراثة
بجامعة قرطبة بإسبانيا، وأوكلت لها مهام عديدة؛ كخبيرة للمركز الياباني الدولي
لبحوث علوم الزراعة، والمركز الدولي للبحوث في وكالة التفتيش الغذائي بكندا، كما
شغلت عدة مناصب إدارية في الهيئة الكندية لرقابة الأغذية، ومؤسسة الزراعة والأغذية
الزراعية الكندية، بينما تولت مؤخرا منصب المدير العام 'لإكيا'.
* سهيلة بوعطرة
عالمة وباحثة بالمعهد الوطني لتقنية النانو بجامعة
ألبرتا الكندي، حازت على الماستر في شعبة الكيمياء العضوية سنة 2002 من جامعة
بواتيي بفرنسا، وعلى شهادة الدكتوراه سنة 2006 الكيمياء الجزئية من جامعة بول
ساباتيي توصلت مع فريق البحث العلمي التابع لذات الجامعة إلى اكتشاف ما يقارب
3آلاف مادة كيميائية بالبول، وهو اكتشاف من شأنه أن يساعد في التشخيص الدقيق
للأمراض، ويتنبأ بها قبل استفحالها.
* أسماء بوجيبار
أول امرأة مغربية عربية تلتحق بوكالة الفضاء ناسا، أهلها
في ذلك تخصصها في دراسة 'تكوين الكواكب والتوازن الكيميائي بين الغلاف والنواة في
سياق تشكيل عينة من النواة' الذي كان موضوع أطروحة الدكتوراة بجامعة كليرمون فيران
في فرنسا، هي من مواليد 1984 بمدينة الدار البيضاء،
* زينب ملين
ولدت بنت الرباط في 16 فبراير 1986، درست تعليمها بمراحله
الإبتدائي إلى الثانوي بمجموعة مدارس الأطلس، فغادرت البلاد في إتجاه فرنسا لإتمام
دراستها بجامعة مونبوليي، حيث حظيت بشهادة الدكتوراه في الكيمياء العضوية عام 2013،
وهي اليوم باحثة في مختبر هندسة العمليات الكميائية، مختصة في عزل الغازات المسببة
للإحتباس الحراري بجامعة 'ناغويا' في اليابان.
* كوثر أبو الشريف
أصغر باحثة مغربية بولاية إنديانا في الولايات المتحدة، شاركت
كمناظرة في فعاليات علمية وطبية، ومحاضرة بأكبر وأعرق الجامعات الأمريكية وهي في
سن 26، وباشرت أبحاثها في اكتشاف أدوية معالجة للسرطان، وتحليل الأدوية القابلة
للذوبان في الجهاز الهضمي.
درست بمدينة العرائش مسقط رأسها إلى غاية سن 16، فيممت نحو
الولايات المتحدة عقب نجاحها في اختبار دراسي خول لها الذهاب لمتابعة مسيرتها بثانوية
أوشلاند ولاية أوريكون، ثم التحقت بعد ذلك بمعهد نيومكسيكو للتعدين والتكنولوجيا،
ليتوج مجهودها بشهادة الإجازة في الهندسة الكيميائية سنة 2009. وقد شكلت أبحاثها
طفرة علمية في تطوير الأدوية، أستحقت بها عدة جوائز علمية من ضمنها جائزة التميز من
قبل جمعية أمريكية
إن المرأة عندما تمتلئ ثقة وإيمانا بأمر ما، تتمسك به إلى حد غير
مألوف، وترفض الإنصياع للظروف، ولا تعدم وسيلة في سبيل تحقيقه، مهما كان بالمخاطر
محفوفا، هو هكذا طبع المرأة بالتحدي معروفا، خصوصا إذا جملتها زينة الحلم، واستنار
فكرها بالعلم، واتقدت بصيرتها بالفهم.
دمتم بسلام ووئام مليكة
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...