لغة التواصل الجسدي بين الزوجين

لغة التواصل الجسدي بين الزوجين

    من مؤشرات الصحة الزوجية وجود تواصل جسدى إيجابي تطيب به حياة الزوجين، اعتبره الباحثين الأسريين الدكتور تشارلز والدكتورة إليزابيث سميث مفتاحا رئيسا لدوام العلاقات الناجحة .

' فلمس شخص تحبه هو اعتراف بقيمته عندك وتوصيل رغبتك له ولهذا نجد الأزواج الأكثر نجاحا في زواجهم يفعلون ذلك كثيرا ' 

وحتى لا يجنح بنا الفكر بعيدا يجدر التأكيد ثانية أن اللمسة المخصوصة لمسة إيجابية بريئة لا يحتاج فعلها التواري عن الأنظار؛ لأنها تأتي تلقائية على هيأة مسحة حانية، طبطبة على الكتف، قبلة على الجبين أو الخد . إلخ 

صور تعبيرية وافرة محملة بمشاعر لها في إصلاح النفس شؤون عجيبة، تطرقت إليها في موضوع اللمسة من أجل حياة زوجية أفضل ، علمنا إياها قدوتنا في الذوق والرقي سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه باعتمادها مع أمهات المؤمنين قبل أن تكتب في التوصيات الأسرية الغربية التي ما طالعت فيها نهجا تربويا إلا ووجدت شواهده متجدرة في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام. 

لقد كان رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم إذا غضبت زوج من زوجاته وضع يده على كتفها داعيا { اللهم اغفر ذنبها وأذهب غيظها، وأعذها من الفتن }، قمة الحكمة والتحضر في احتواء الموقف بأبي هو وأمي. 

وفي الصِّحاح حديث كما ترويه أمنا عائشة رضي الله عنها أن وفدا من أهل الحبشة دخلوا المسجد يلعبون فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ؟ قالت: نعم، فقام بالباب وجاءت فوضعت ذقنها على عاتقه وأسندت وجهها إلى خده وجلست تنظر، وكلما سألها صلى الله عليه وسلم : حسبك ، قالت : لا تعجل يا رسول الله، تقول: وما في نفسي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه. 

تأملت ذوقيات بيت النبوة، وتعجبت من أزواج مهرة في رفع الصوت بالتجريح والتقبيح، وأولائك الذين يحسبون الزوجة مخلوق للنكاح فحسب، وأن في تزكية مقامها وتدليلها إفساد لخلقها وانتقاص من رجولتهم، عقليات فجة غلفتها حجب الجهل. 

لقد شاخت الأفئدة من كثر ما ترى من أعطاب الأسر بسبب الزيغ عن المنهاج المقدٍّس لمؤسسة الزواج. { رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح على وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء } رواه أبو داوود، بالله عليكم كيف تتصورون بيتا أسس بنيانه على تقوى من الله، وتأسى أفراده بالأخلاق المحمدية ! 

إن الإستقرار الزوجي لا يقوم على شهوات جنسية، بقدر ما يقوم على أخلاقيات إنسانية تتخللها فينة بعد فينة لمسات عاطفية. حث الدكتور أبو سعد على تطبيقها يوميا بين الزوجين مبرزا معانيها المتباينة بين القبلة واللمسة بتباين مقامهما ومواضعهما: 

أما القبلات فأنواع: قبلة على الرأس تثبت معنى الرضا والفخر، قبلة على الجبين تثبت الاعتذار، قبلة الخدين تعبر عن الشوق والاعتراف بالفضل، وقبلة اليدين مودة واحتراما. 

وأما اللمسة الحانية فخمسة: لمسة خلف الرأس تحمل معاني الرأفة، وأخرى على الرأس للتعبير عن الرضا، الخدين تعبيرا عن الشوق، مسكة اليد لإزالة التوتر، وأخيرا لمسة اللزوم موضعها على الصدر وهاته تكون قليلة تطلبها الضرورة. 

قد تبدو لنا هاته الممارسات بسيطة في ظاهرها غير أن وقعها عظيم على النفس وعلى هرمونات الجسم المسكنة للألم النفسي، والمحسنة للمزاج مثل الدوبامين والأوكسيتوسين.. توافقا مع ما انتهى إليه علماء نفس سويسريين أن الإحتضان يزيد من إفراز الأوكسيتوسين: هرمون الحب المعزز للإرتباط بين الزوجين، يعده ماثيو هيرتينستين صاحب كتاب The handbook of Touch الأساس البيولوجي لخلق روابط مع أشخاص آخرين. 

يزداد إلحاح اللمسات حضورا في الحياة الزوجية أوقات الأزمات؛ لأن الإنسان في هذه الفترة يحتاج أن يشعر بالحب والتعاطف أكثر من أي وقت، وخصوصا عندما يكون أحد الزوجين أتى من بيئة عاطفية، أو عندما يكون لدى أحد الطرفين نقص عاطفي شديد، في الحالتين يرد أن يصدّع غياب الحميمية نفسية الأزواج بشكل يصعب ترميمه فيما بعد، الأمر الذي ينعكس سلبا على سيرورة العلاقة. 

'إن حاجة المرء إلى الشعور أنه محبوب من شريكه في الحياة تأتي في مقدمة الرغبات الزوجية'، ونظرا لقيمة الموضوع ارتأيت أن أعرج إلى طرق أربع غير اللمسات تضارع مكانة التواصل الجسدي في التعبير عن الحب لشريك الحياة، ورد ذكرها في كتاب "اللغات الخمس للحب" لجاري تشابمان حيث استوحيت فكرة المقال. 

لغات الحب الخمسة في التواصل بين الزوجين

يرى جاري أنه ينبغي معرفة لغات حبنا الأساسية حتى نفهم احتياجات بعضنا العاطفية، ونبقي على شعلة الحب متوهجة؛ لأن 'البشر يتحدثون لغات مختلفة للحب'، ويطورون أنماطهم العاطفية الخاصة بهم منذ طفولتهم، ويندر جدا أن نجد زوجين يشتركان في لغة حب واحدة. 

وبالتالي طبيعي أن ' تكون لغة الحب العاطفية الخاصة بك مختلفة عن لغة شريكك في الحياة'؛ نقطة مهمة وجب مراعاتها في قيامك ببعض الخدمات لشريكك، وإلا فلا تعجب إن لم تلمس أثرها، لأن السبب عائد لكونك عبرت له عن حبك بلغة غير لغته بمعنى:
أنك حين تتحدث بلغتك أنت العاطفية لنصفك الآخر فإن الرسالة لا تصله ولا يفهم ما تريد أن تبعثه إليه، كأنك تتحدث بطلاسيم مشفرة وغير واضحة. من أجل ذاك يجدر بك أن تتعلم لغة حبه حتى يتحقق التواصل الفعال، ويمتلئ خزان الحب بينكما. 

الدعائم الخمسة للحب بين الزجين

إن الحب ينبني من منظور جاري في الحياة الزوجية على خمس دعائم عبر عنها ' بلغات الحب ' تعلُّمها يحدث فرقا هائلا في الجو العاطفي للحياة الزوجية: 

أولها التشجيع : ذلك أن للكلمة أثر لا يستهان في احتواء الصراع، وامتصاص الغضب 'فالجواب اللين يطفئ الغضب'. علاوة على ذلك فكلمات الشكر والثناء، وعبارات التشجيع والإطراء من الطرق المعبرة عن الحب و'لا يعلم الكثير من الأزواج والزوجات الأثر الكبير الذي يحدثه تشجيع كل منهما للآخر ' 

ثانيها تكريس الوقت : بعض الوقت يقضيه الزوجان معا في نزهة، محادثة، قيام بعمل مشترك كعبادة، رياضة . جميعها عادات تحسس الآخر بالمعية والاهتمام، وتقوي الروابط المشتركة. يتحدث د. فيل ماكجرو عن سر نجاح علاقته بزوجه التي دامت أكثر من 27 سنة ' ظلت العلاقة حية ومستمرة طوال رحلة الحياة الزوجية نخرج معا دائما ونسافر معا ونحسن استثمار أوقاتنا معا ' مردفا أن الدقائق الاولى التي يلتقي فيها الزوج بزوجه يوميا سواء عند الاستيقاظ او بعد العودة من العمل يتوقف عليها جودة الوقت الباقي. 

ثالتها تبادل الهدايا : لا داعي للقلق بشأن هذه النقطة فهدية بسيطة، أو صنعها، أو حتى وردة يقدمها الشريك لشريكه يمكن أن تفي بالغرض، وتملأ خزانهما العاطفي. وفي بعض الأحيان تكون أفضل هدية يهديها الشريك لشريكه وقوفهما بجانب بعضهما وقت الحاجة ' الهدايا المعنوية أكثر تعبيرا عن الهدايا التي يمسكها الشخص بيده ' . لكن إن أراد الشخص تعزيز هذا المعنى وكان في مقدوره شراء هدية ثمينة فلا يتردد لأن 'الاستثمار في حب شريك الحياة استثمار في أسهم مضمونة للربح ' 

رابعها أعمال خدمية : يمكن التعبير عن الحب للشريك عن طريق تقديم يد المساعدة، وإسداء خدمة في بعض الأعمال : خدمات للأزواج مثل غسل السيارة، تنظيم المكتب.. خدمات للزوجات تنظيف البيت، غسل الأطباق.. وغيرها. أعمال خدمية 'إذا أنجزت بروح إيجابية تكون تعبيرا حقيقيا عن الحب' 

   ' إن الرغبة في حياة زوجية رومانسية جزء أصيل من تركيبتنا النفسية ' ولهذا تجدنا معشر المتزوجين نستقصي الوسائل التي تدلنا على مفتاح المفازة بحياة زوجية مستقرة ومليئة بالحب، ونفتش في مؤلفات غزيرة لعلنا نظفر في بطونها بتوليفة من الارشادات تبلغنا ما نتغياه. لكن يبقى غمارة منّا ضائعين في زخم عناوين براقة لا تسبر الجرح. آمل أن أكون قد وفقت في تسليط الضوء على زاوية من زوايا جسر العبور نحو حياة زوجية أفضل عن طريق اتقان لغة التواصل الجسدي بين الزوجين . 

ودمتم بسلام ووئام - مليكة