منظر يقطع القلب للطفل محمود الذي تخلت عنه أمه ورمته في الشارع
أنا مش عوزاه بعد لي عملو ارموه في الشارع
الأم كما نعرفها نبع فياض لا ينضب من الرحمة
والعطاء، هي روض الحياة وواحه الغنّاء، هي الظل الذي نحتمي به و نفر إليه من حر
الزمان، ورهق بني الإنسان، هكذا عهدنا الأم وبهذا كنا نعرفها، لكن القصة التي استضافها
عمرو الليثي في برنامجه واحد من الناس على قناة الحياة أبانت عن صنف يصعب وصفه ،
صنف حاد عن طبيعة الأمومة، وأصبح هو الرهق نفسه والظلم عينه .. حالة إنسانية يرقّ
لها الحجر إلا قلب قسى وتجرّد من عطفته ورأفته على أقرب الناس
..
نحن لا ندري عن ظروفها التي دفعتها للفعل بهاته الغلظة ، ولكن أي مبرر يدعو أمّاً لرمي طفلها وفلذة كبدها في الشارع ! ؟ حتى القطط تحنّ على صغارها وتحميهم إلى أن
يشتد عودهم .. لم أستوعب كيف تخلّت أم الطفل محمود بمنتهى البرود ! تقول أن زوجها حلف ألا يدخل بيته ورمي عليها يمين الطلاق إن هي
آوته ، هل هذا سبب ، هل هذا منطق يجعل أمّا تولّي ظهرها عن قطعة منها ؟ تيتّم المسكين
في حياتها ، كما تيتم قبلا بفقدان الأب الذي طلقها قبيل وفاته ، وترك الإثنان الصغير عند
عمه ليكفله ، بيد أن الآخر تعب بالسرطان ولم يعد قادرا على رعايته ، فاتصل بأمه التي
أخذته عند جدته وأخواله ، فأذاقوه الويل وقيّدوه تحت ذريعة أنه يرفض الأكل بالأسبوع،
وأنه مريض نفسيا...
الطفل في البرنامج بدا طبيعيا ومؤدبا، سوى ما بعينه من مضاضة ، جعلته يظهر كأنه كهُل من كم أسية وحزن تشربهما على صغر ، تفوق طاقة تحمله، فكان يغيّض دمعه بصعوبة : وفي لحظة إنهار بالبكاء، وأخذ
يناشد مقدم البرنامج في مشهد يبكي الحجر قائلا : " أرجوك وديني لأي مكان أو ارميني في الشارع بس مترجعنيش للعيش مع
عمي " متحفظا عن ذكر السبب .
وأثناء الحوار، حاول عمرو الليثي التواصل مع أمه التي أغلقت الهاتف في وجهه
فور معرفتها خلفية الإتصال ، فعقب قائلا :" حاولت أكلم والدته على التلفون، ولما
عرفت إننا بنكلمها علشان خاطر محمود، قفلت السكة، أنا عاوز أقولها حاجة، لو أنتي مش
قد الخلفة بتخلفى ليه، ولو أنتى مش قد المسؤولية بتجيبى طفل وترميه فى الشارع ليه ..."
" ... الحقيقة أنا مندهش أن فى أم ترمى ابنها فى الشارع، ومندهش أكتر أن فى ام
ابنها يقولها أرجوك خلينى عندك وترفض، ومندهش أن إخواتها يرموه فى الشارع، حتى لو كان
جوزك حلف عليكي، وعلى فكرة اللى باقيلك إبنك، وبكرة تكبري وتعرفي إن الطفل ده هو العكاز
اللى هتتعكزى عليه".
قضية الطفل محمود حركت الرأي العام المصري والعربي ، واستنكرها الجميع ودفعت البعض للحديث مع أمه ، والأمرّ أنها برّرت فعلة أهلها في مكالمة هاتفية على احدى قنوات يوتيوب ، وسألها صاحب البرنامج إن كانت ستذهب إلى زيارته في الملجأ الذي وضع فيه بعد لقائه مع الليثي ، وأجابت بأنها لن تذهب إليه حتى يكفّ عن أفعاله ... أي أفعال حرام عليك يا أمه ! ربما تكون أفعاله طريقة لاستعطافك واسترضائك ، ربما هي توسلات بعد فشل لسان أقواله لتنتبهي له وتهتمي به كباقي إخوته ، لم أستوعب كيف طاوعك ويطاوعك قلبك لحد الآن.. !
أليس هذا جرما في حق الطفل محمود الضحية ؟ بأي نفسية سيواجه تحديات الحياة ؟ كان الله في عون الفتى ، وعساها تكون عليه أخف مضاضة من جور ذوي القربى ، وأهون قساوة من حرمانه دفئ حضن الأم الذين تكوموا على هذا الطفل الباكي بلا رحمة .. الله يرحم عليها أحمد شوقي حين قال
ليــسَ اليتيـمُ من انـتهى أبـــواهُ *** من هـمِّ الحـياةِ ، وخلّفاهُ ذليـلا
فأصـابَ بالدنيـا الحكيمـة منهما *** وبحُسْنِ تربيـةِ الزمـانِ بديـــــلا
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...