كيف تتعامل مع العلاقة المسمومة هل ينفع الدفع بالتي هي أحسن
الرقي شي نادر لا يوجد في كل البشر، والهدوء أدب راقي لا يستطيعه كل البشر، والتغافل أسلوب هادئ للتعامل مع هؤلاء البشر
في
مشوار الحياة طبيعي أن نخالط أصنافا من الأشخاص مؤذي الطباع، ممكن أن يكون
قريب في العائلة، علاقة زواج فاشلة، جار، زميل أو زميلة في العمل.. أيّا كان، وبحكم الإحتكاك والمخالطة
يحدث أن تصدر مناوشات وتصرفات موجعة، ولا عجب ان كان لكل منا تجربة مع علاقة مسمومة، لقيّ منها بنات برحٍ، تركت غصة في الحلق، لو
لم نتطهر من رواسبها لظلت تحز في النفس لأمد غير معلوم قد يمتد لآخر
لحظة في حياتنا..
كيف نتعامل مع العلاقة المسمومة ونضع حد لأذية البشر؟ كيف ندفعها؟ هل الدفع بالتي هي أحسن يجدي نفعا ؟ أم المعاملة بالمثل وردّ الصاع صاعين ؟ أم نسامح
ونعفوا ونترفع رغم أنهم لا يستحقون ..
لكن لحظة بعد إذنك، اسمحيلي بسؤال كنت طرحته على نفسي ذات يوم؛ مادام هؤلاء لا يستحقون فلم تعكرين عيشك اليوم بتذكر ما كان منهم ؟ أذيتهم إن أفسدت أيامك أمس فلم تفسدينها بالإجترار في كل لحظة. أما آن تكفّي وترحمي نفسك من هذا العذاب ! إن كانوا هم لا يستحقون إحسانك، فأنت تستحقين احسانك ورفقك بنفسك .
أنت تتألمين لم حصل، نعم، أفهمك، وألمك هذا دليل على أنك تركت جراحاتك تنزف بسببهم طوال هذه المدة وهم لا يستحقون، لا يستطيع شخص أن يؤذيك غاليتي ما لم تسمحي له بذلك، فلا تقبلي أن تكون ضحية لأحد، وإن تجاوزت وعفوت فلأجلك قبلهم واحتسبي الأجر، وإن لم تتمكني من فعل ذلك على الأقل لا تحملي مخلفات أذيتهم في قلبك، أتركيهم لضمائرهم إن كان لهم ضميرا إيمانيا يوقظهم، وإلا فالحَكَم العدل يتكفل بهم، وتيقني بأنه سينصفك منهم.
أتركك مع جواب رباني، مذ فهمت حكمته اتخذته فلسفة لي في الحياة، فانتشلني من تسافل الخلق، وجعلني رحيبة الفهم والذراع، ووجدت فيه من السلام والراحة ما تمنيت لو ينعم بهما كل من أحب. يقول سبحانه { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا اﻟذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم، وما يلقاها ﺇلا اﻟذين صبروا وما يلقاها ﺇلا ذو حظ عظيم } سورة فصلت آيتان: 34 – 35 .
قال ابن عباس: أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، ثلاث قواعد تربوية في المعاملة، تُخضع العدو قبل الحبيب، أطرها العليم بدواخل خلقه والخبير بتكوينهم النفسي، لحفظ المجتمعات من فوضى الأحقاد والمكائد والوساوس، وصون النفس من نوازع إبليس، ومزالق الدسائس، ومقابلة الإساءة بمثلها ..
قبل أن نغوص في مضمون الآيتين، لنعرف بداية فيمن من نزلت،
يقول المفسرون بأنها نزلت في أبي جهل بن هشام، الذي أعلن الكفر
براحا، وآذى بشدة صفيّ الله وحبيبه، أحب الخلق إليه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أمره
تعالى بالإحتمال والصبر، ليعلمنا نحن درسا في الصبر وحسن المعاشرة. وقيل أنها نزلت
في حق أبي سفيان بن حرب، الذي أشجى النبيّ في كريمتيه عندما طلقهما نكاية به - صلى
الله عليه وسلم - وبدعوة الاسلام.
وورد عن ابن عباس في تفسير{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }: أي ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك. وقال مجاهد: أي إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك. وفي هذا السياق يروى في الأثر: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لرجل سبه ونال منه: إن كنت صادقًا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك...
ثم يقول سبحانه: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا } أي
وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر والتزم بهاته القواعد، ومسك نفسه عن الثأر
لمضرة شخص لا يراعي حقا لأخيه، وإن لمن أقسى الأشياء كبح جماح الغيظ، والحفاظ
على هدوئك أمام ضرير قلب ينكل بك.. ولكن { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
} أي ذو نصيب وافر وحظ عظيم من الأجر، و السلام، والصحة، والسعادة في الدنيا والآخرة.
يقول ابن تيمية السعادة في معاملة الخلق " أن تعاملهم لله، فترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم رجاء ثواب الله لا لمكافأتهم، وتكف عن ظلمهم خوفا من الله لا منهم."
إن في تعاملنا مع الخلق معاملة لله، ينبغي أن لا ننسى هذا المعنى، وإن
استحضرناه دوما لن يصيبنا ضير، ولن يراعينا ما نلاقيه منهم، { وإن تصبروا وتتقوا
لا يضركم كيدهم شيئا }فنحن إن أحببنا أحببنا لله، وإن سامحنا سامحنا لله، وإن تلطفنا وأحسنا وترفقنا، فعلنا ذلك لله
ولوجه الله، لا نريد في ذلك جزاء ولا شكرا من أحد إلا منه سبحانه.
وعن ترفق الشخص وملاطفته في التعامل مع الخلق يقول ابن القيم رحمه الله:
هو مُعاملتهم بما يُحبُّ أن يُعاملوه به من اللطف، ولا يُعاملهم بالعنف والشدة والغلظة،
فإن ذلك ينفرهم عنه، ويُغريهم به، ويفسد عليه ذلك قلبه وحاله مع الله ووقته، فليس للقلب
أنفع من معاملة الناس باللين واللطف، فإن مُعاملة الناس بذلك، إما أجنبي فتكسبُ مودته
ومحبته، وإما صاحب وحبيب فتستديم صحبته ومودته، وإما عدو ومُبغض فتُطفئُ بلطفك جمرته
وتستكفي شره.
الأيام دول أحبتي ، ولا يغرنكم تقلب الذين ظلموا
في البلاد، فإنما هو علو بعده سقوط، وأولها سقوط من عين الله.
لنتغاضى ونرح أنفسنا من غمّ السفهاء، وضيق
الضغناء، فالتغاضي
عن الإساءة ليس غباء، وإنما توفيق من الله ورقيّ لا يتمكن منه ولا يتقنه إلا أفضل وأخير
العقلاء. روى إبن ماجة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه { قيل يا رسول الله أي الناس
أفضل قال : كل مخموم القلب صدوق اللسان ، قيل صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب قال:
هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غِـل ولا حسد }.
لقد خضنا تجارب صعبة كثيرة بسبب أشخاص وظنناها لن تمر، لكنها مرت بفضل الله بعد أن أنضجتنا وأخبرتنا دروسا ما كنا لنستوعبها لولاهم، وما كنا لنقف بهذا الشموخ والإنتصار الحمدلله، وصدق د مصطفى محمود رحمه الله بقوله " الأيام التي تكسرك هي ذاتها التي تصنعك، وأنت حصاد التجارب التي اعتقدت أنها لن تمر ومرت ". فلم نبتئس إذن، لنمض ونتركهم في الماضي كأننا لم نعرفهم، ونترفع كأننا لم نسمع منهم، ونتغابى في تعاملاتنا كأننا لا نفهم، ونتجاهل كأننا لا نرى، وننسى ونتناسى كأننا
لا نتذكر، حتى نتعافى من العلاقات السامة ونعش بسلام، ونلقى الله بقلب سليم.
قال الإمام إبن الجوزي رحمه الله: مما أفادتني تجارب الزمان، أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحداً، ما استطاع، فإنه ربما يحتاج إليه، مهما كانت منزلته، واعلم أن المظاهرة بالعداوة، قد تجلب أذى من حيث لا يعلم، لأن المظاهرة بالعداوة، كشاهر السيف ينتظر مُضربا ". فادفع بالتي هي احسن ، وإن لم تستطع تجنب المؤذي ، لكن لا تدع للضغناء سبيلا لمظاهرة العداء .
كل شيء يرحل، إلا غراس الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة فتظل مغروسة في النفوس تحرك الخير فينا وتحركه في الآخرين، وهنيئا لمن تعهدها بالمداومة و الدفع بالتي أحسن، وفي الاول والأخير يكون هو الرابح لا سواه ..
دمتم بسلام ووام - مليكة
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...