تأملات في أركان الإسلام
الحديث الثالث في الاربعين نووية
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم.
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة على سيد الانبياء والمرسلين
كما تعلمنا في درس سابق ان أركان الإيمان ستة: وأركان الاسلام خمسة. فالايمان يتعلق بما وقر في القلب من إيمان راسخ بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره. اما أركان الإسلام الخمسة فتتعلق بما تقوم به جوارحنا من شعائر وافعال ظاهرة، من افصاح باللسان ونطقه بالشهادتين وصلاة وصيام وزكاة وحج. والاسلام يأتي اولا في المرتبة وعندما يستقر ويتغلغل في الجنان يصعد المسلم لمرتبة الايمان. حتى إذا وقر وتجذر يرتقي المؤمن لمرتبة الاحسان فهي المرتبة الارقى والاعلى لأن عبادة المؤمن لربه ومراقبته له صارت حاضرة في اقوله وافعاله كأنه يراه. ومن استنتاج الفرق بين الاسلام والايمان؛ نقول ان كل مؤمن مسلم لكن ليس كل مسلم مؤمن
اما حديث اليوم، فتناول أركان الاسلام منفردة إقرارا بأهميتها البالغة، لانها بمثابة الأعمدة التي يقوم عليها هذا الدين، فهو حديث عظيم جامع، يفيد باختصار أنَّ أركانَ الإسلام تنقسمُ إلى أربعة فروع: الفرع الاول عمَلٌ لِسانيٌّ قلبيٌّ، وهو الاعتقاد القلبي والنطق بالشَّهادتينِ، الفرع الثاني: عمَلٌ بدَنيٌّ، وهو الصَّلاةُ والصَّومُ، الفرع الثالث: ماليٌّ صرف، وهو الزّكاة، ثم الفرع الرابع: جمع بين العمل البدَنيّ والماليّ، وهو الحج.
فما احوجنا لحظيا هذه الايام لدفع ما نرى ونسمع لتجديد ايماننا ب'لااله الا الله محمد رسول الله ' أول ركن من أركان الايمان وبوابة الدخول بل مفتاح الدخول لجنة الخلد نقولها اخلاصا له سبحانه وتخلصا مما سواه فالاسلام هو الدين الذي اختاره الله وارتضاه للعالمين{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ( آل عمران : 85 )، ان حاجة ابن ادم لهذا الدين مثل حاجته للطعام والشراب بل اعظم حاجة وأشد. فالانسان مهما آتاه الله من علم وتمكين، مُلزم ومُطالب باتباع المنهج الالهي وما جاء به المرسلين عليهم صلوات ربي وسلامه، طاعة ورضا وثقة..
الإنسان في الحياة إما ان يكون متّبعا لرسالة الحق، أو متبعا لهواه أو ابليس وأعوانه. مبتدعا في دين الله ما ليس له به علم الا اتباع الظن. علينا ان نكون متقظين مما يشوشِر ويدعيه شرذمة من القوم ويدعون إليه. فالحديث هنا عميق المعنى، وتشبيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للدين الاسلامي بالبناء لتشبيه بليغ، شديد الدلالة، فأي بناء وأي صرح عظيم إلا وتكون له أركان متينة تكفل سلامته، وتضمن قوته وتحفظ تماسكه، وأي خلل في أحد أركانه مهما كان بسيطا، يسبب خللا في البناء كله، ويمكن ان يؤدي لانهياره في امد قريب أو بعيد، وكذلك اسلام المرء فيجب ان يشتمل الاركان الخمسة المذكورة في الحديث كاملة وإلا سيتهاوى كيانه وصموده على عتبات الاحداث، فيتبعثر أمره وشمله وهذا ما بتنا نراه الان في اغلب الظواهر.
إن الاسلام مثل الصرح العظيم شيده الله عز وجل لحماية كيان عباده المسلمين المؤمنين، يشدّ عضضهم ويربط على قلوبهم في كل الاوقات او عند حدوث هزات نفسية لا سمح الله. والشيء بالشيء يذكر: المشهد المرعب الذي رأيناه عندما ارتجت الأرض ومارت في زلزال تركيا وسوريا - نسأل الله الرحمة لمن مات منهم واللطف والرفق بمن نجى او بقي حيا عالقا تحت الانقاض ينتظر غوث ربه- كان زلزالا نفسيا وأرضيا صعبا، والكثير لحد الساعة من لم يستوعب ما حدث ولم يسفق من هول ما رأى.
مشهد سقوط عمارات شاهقة وبنايات حديثة، مباني لا ندري كم استغرق بناؤها، سقطت في أقل من الثانية، في رمشة تحولت الى حطام، الا مبنى واحد “كهرمان” بقي في وسطهم صامدا لم يتصدع ولم يتأثر رغم قدمه، حتى الزجاج ظل سليما ولم يُخدش حتى (ماخدا منو الزلزال لا حق ولا باطل)
طبعا لا قوة أمام قوة الله عز وجل ومشيئته، ولكن هناك اسباب، توجد قواعد لا بد من الالتزام بها وأخذها بعين الاعتبار. فالهزة الارضية كانت عاملا بالفعل، لكنها ايضا كشفت حقائق، ومن بينها ان المباني التي سُوّيت بالارض لم تكن تحترم معايير السلامة المتعارف عليها والموضوعة في 2018، وهذا حسب تقارير عرضت في منابر اعلامية تركية وعالمية. الهزة بينت وجود هشاشة إيمانية، سببت هشاشة في بنية الانسان النفسية والقيمية وكانت وراء هشاشة البنيان في تلك المجمعات السكنية المنكوبة. ليس لدى الأتراك فحسب ولكن لدينا نحن ايضا. وقد تم اعتقال مئات المقاولين والمهندسين المشرفين والمساهمين، أحد المهندسين ألقي عليه القبض في المطار بينما هو هارب من عقوبة المخلوق، لكن أنّى له الذهاب من عقوبة الخالق لتسببه في موت ابرياء واطفال.. هنا نستشعر قيمة الإحسان ومراقبة الله تعالى في القول والعمل "فإن لم تكن تراه فإنه يراك" كما استأنسنا في الحديث الثاني من سلسة احدايث الاربعين نووية. وقس على هذا مواقف كثيرة متشابهة في واقعنا.
ما المغزى من هاته ىالمداخلة: المغزى أن الانسان يجب ان يعيَ بأنه يعيش على ارضية غير مستقرة، وأن مأواه الآمن يكمن في صحة معتقده وكمال إيمانه المبني على أركان ثلاث: أركان الإسلام، أركان الايمان وأركان الإحسان. وأن صلابة إيمانه تظهر عند الهزات نسأل الله التجاوز والثبات.
إن الأرض من سننها الثابتة، التغير وعدم الاستقرار، جيولوجيا وخلقا وأمما وأحداثا وقوانينا... فهي دائمة التبدّل باستمرار، فلا أمّة سلِمت من هذه السنّة، ولا انسان بقي وضعه ثابتا على حاله، كل شيء هالك، وكل شيء متغير إلا وجه الله الكريم سبحانه وتعالى. والانسان أضعف من أن يتحمل التقلبات المختلفة من حوله، صعب أن يعيش بلا مبدأ، وبلا مأوى صامد الأركان ثابت البنيان.
لقد جعل الله هذا الدين عصمة لكل من احتمى بحماه، فهو عالمي كامل في منهجه ، شامل لجوانب الحياة في احكامه وقواعده، فكان رحمة للعباد المؤمنين ورحمة بهم، ومن حكمته أن جعله صالحا في كل زمان ومكان. (كاين دابا لي كتكلمو في الدين، كيقولك خليك من هاد الرجعية، وهادشي كان صالح زمااان، دبا تبدلات الوقت، والخطاب الديني خاصو تجديد ومراجعة وتنقية الخ مما يُروّج ويسوق له في الاعلام اليوم.
أقول، ان الانسان الذي اعتقد الاسلام دينا ومنهجا وشريعة ("اعتقد" بمعنى صدّق بكل جوارحه وتديًّن به)، فهو يؤمن أن له ربا كريما هو مالك الملك لا إله سواه، وأن محمدا رسوله صلى الله وسلم خاتم الرسالة. والذي يصدّق بهذا الكلام قلبا وجوارحا، يستحيل أن يتضعضع لمخلوق، (حتى شخصيتو كتكون قوية)، يستحيل أن يتملّق مخلوقا ضعيفا مثله، أو يذل له او ينحني أمامه. ولانه مسلم مسلّم لله و مسلّم أمره كله لله، تجده مطمئنا وموقنا بأن تدبير الله له باطنه في الرحمة وكرامة حتى وإن بدا في ظاهره مشقة وعناء، من يؤمن بهذا يستحيل أن يتزعزع لنازلة أو يستسلم لعارضة من العوارض، وإن دعته نوازع النفس والشيطان لارتكاب شيء منكر، او تحرك لاخراج غيظ، أو ربما تغشاه الضعف البشري تذكر {واستعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين} فهرع للوصل والاتصال بربه، فأقام الصلاة مسشعرا جلالة المقام، ومستعينا بها على ما ألم به، وهكذا طاعته لربه في الالتزام والوقوف ببقية الاركان. فيكون بهذا قد عرَف وفقه مُراد الله منه، فيعيش دائما في جنب الله، مستكينا لركنه وفي ركنه، ملتزما بشرعه مستمسكا بأركان دينه، فتستقيم أموره جميعا، ويظل بناء حياته قائما، قويا مهما تغيرت أحواله، ومهما تعرض له من هزات وأحداث، لانه استمسك بعروة وثقى لا انفصال لها، (لأنه كيف كنقولو شد فالصح) واعتصم بحبل النجاة، اعتصم بحبل الله المتين وعاش بهذا اليقين. أسأل الله الثبات لي ولكن على هذا الدين وأن يرزقنا حسن الختام. فاللهم خذني اليك مني وارزقني الفناء عني ولا تفتني بنفسي ولا تحجبني عنك بذنوبي واكشف لنا عن كل سر مكتوم يا حي يا قيوم
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...