صرخة من المغرب: مخدر البوفا إرهابٌ يجتاح المغرب ويُحطّم أسرًا بأكملها
أعين خائفة ترقب مشهدًا قاسيا يعيشه المجتمع المغربي، أفواج الشباب الضائع والتائه في دوامة ادمان البوفا تكتسح زوايا الوطن الحبيب. هذا المخدر القاتل طال الصغار والكبار، الذكور والاناث، على حدٍّ سواء.
والله ذهلت وتألمت لرؤتي فتيات يافعات من عمر 14 و12 عام اغتصبت طفولتهن وبراءتهن بالبوفا، أمهات ابتلين بهذا الوباء، آباء يقدمون أطفالهم مقابل قطعة سامة، شظية مدمّرة، تهدّد بتفتيت أواصر العائلات وتدمير حلم كانوا يبنونه لسنوات.
عندما نتحدث عن 'كوكايين الفقراء' في المغرب، ندخل عالمًا مظلمًا وصادمًا، محفوفًا بمخاطر جسيمة يُسببها هذا الطوفان المدمر على حياة الأفراد والأسر.
يُعتبر مخدر البوفا أحد أخطر المخدرات التي تضرب الجهاز العصبي في مقتل، المسببة للإدمان والمدمرة لبني لانسان، نفسيا، عقليا، جسديا، أسريا، ماليا... وفي النهاية فقدان تامّ للعقل أو انتحار على عتبة الضياع، دمار شامل وحكم بالموت على قيد الحياة.
الضحية يتحول إلى زومبي، مستعد أن يبيع كل شيء من أجل لحظة نشوة عمرها عشر دقائق، منهم من يخسر 3 مليون في ليلة واحدة؛ لأنه يصبح أسيرا مسلوب الإرادة بشكل كامل، لا يعقل أي شيء، تفكيره محصور فقط في طريقة لحصوله على قطعة من مخدر مشؤوم، كانت بداية العهد معه من قبيل التجريب لتحسين مزاج.
زلّة قدم تُدخل الشخص في متاهات بلا العودة، ومعاناة الأسر تزداد يومًا بعد يوم في ظل هذا الواقع الموجع.
مساحات مدينة مغربية ينبعث منها صراخٌ مكلومٌ، يقضّ مضجع النائمين، يتحدث عن أكثر الآفات الاجتماعية فتكًا.
شوارعنا تحكي قصة معاناة أجساد شابة وبالية، تجوبها كأنها أعجاز نخل خاوية. أجساد حيّة تدبّ لكن بلا حياة، لا تكترث لجوع أو شبع، ما تكاد تستفيق حتى تئنّ من وجع وتصيبها حمّى من الصرع، فتطلب المزيد والمزيد من وهم النشوة دون ورع، حتى تقوّس ظهرها وأنحنى على صِغر من أثر هذا السُمّ الرخيص، الذي خالته مطبّبا لها من الأدواء أو معينا لها على الأنواء.
أرواح فتية كانت تحلم بمستقبل زاهر، بيد أن مخدر البوفا جرفها إلى الهاوية. تعيش أياماً مريرة بلا معنى في ظلام الإدمان الدامس والتهميش الاجتماعي، باتت بلا مأوى أو أمل، وأسرهم في عناءٍ دائم، وصراع قائم بين المحاولة لإنقاذها رغم عجزهم المتكرر، وبين التبرء منها وإبقائها مشردة على قارعة الطريق.
ألم يئن للقلوب الحية أن تهب لنجدة جماعات الشباب من قبضة التيه والهلاك
في مدينة البيضاء، يعيش زكرياء الذي خطفته يد المخدرات من طريقه إلى النجاح. كان وسيما مستقيما متميزًا، حتى تسلل البوفا إلى حياته، فانقلبت موازين حياته رأسًا على عقب، لا يدري كيف سقط في فخه، أخذه أول مرة فقط للتسلية ورغبة في اكتشاف ذلك الانتشاء الذي أغروه به أصدقاؤه، وكان عازما على عدم العودة. ولكنه وجد وجد نفسه يعيش وسط أحلام مدمرة وقلب محطم، فالمخدرات سرقت منه كل شيء، ولو لم ينقذ نفسه من مخدر الشيطان للبث في عقاله إلى أن يلقى حتفه وحيدا.
قصة أخرى في الدار البيضاء، للشاب حسين الذي عاش ظروفًا قاسيةً وحرمانًا من الفرص والتعليم، ووجد ملاذه الوحيد في عالم البوفا. فرصةٌ أمل خائبة للتهرب من معاناته المريرة، استحالت الى موت بطيء أقسى الف مرة من البداية، فسقط في الضياع والتيه ومزيدٍ من التشرّد والنبذ.
في مراكش مأساة بكل المقاييس، أم نكبت في أبنائها الثلاثة وذهبت جهودها أدراج الرياح بآفة الإدمان، تبكي حسرة على ولديها اللذين أدخلا السجن وعلى ابنتها الثالثة التي تناشد محسنا يأخذها لمصحة علاج المدمنين فينتشلها من عبودية قطعة بيضاء اللون وسوداء العاقبة ترجو السراح منها قبل فوات الأوان
هول الاعتماد على البوفا
"إنها كارثة تحكم حياتهم الآن..". بهذه الكلمات القاتلة، يصف عبد الله معاناة عائلته بعدما انجرف نحو عالم البوفا. كانوا ينظرون إليه وهو يتحطم ببطء أمام أعينهم دون أن يتمكنوا من منعه. صورة أمه المتألمة التي تنهار ببكاء هستيري لا تبعد من بين عينيه والأب الذي يحاول بتماسك أن يصلّي من أجله، ومع ذلك مستمر في التعاطي لأن إرادته لا تقوى على تحمل الألم المبرح.
حلمٌ تبخر في أحضان البوفا
"كانت تعاني دائمًا بسبب والديها.. واليوم نحن نعاني بسببها". تلك كانت عبارة سمية تروي قصة ليلى، الفتاة الطموحة الذكية التي كانت ترنو لتحقيق نجاحات وإنجازاتٍ في حياتها. لكنها انساقت وراء رفيقة الدراسة نحو المجهول، ففقدت شرفها وشغفها وتحولت إلى شخصٍ عدواني، بجسد هزيل ومُرهق ونظرةٍ باهتة ولسان بذيء... ليلى لم تكن هكذا إنها كائن آخر لا نعرفه.
تفاقم الكابوس الاجتماعي
"كان يعدنا بالنجاح والاستقرار.. ولكنه ضاع في طريق البوفا". تلك كانت أقوى رسالة نُقشت في قلب أمين، الشاب الطموح الذي كان يجتهد لكي يحقق تطلعاته ويُساهم في رسم مستقبل واعد. غير أنه خُدع بكلمات مغرية من زملاء يدّعون أن المخدر يُنعشه ويُساعده في التركيز والتفوق. فإذا به كان انطلاقة نحو الهاوية، فقد فيها أمين مساره وعُزل عن العائلة والأصدقاء ولم يعد يريده أحد.
هذا غيض من فيض والقصص تدمي القلب، أسأل الله أن يلطف بهم وبنا وبمجتمعنا وينتشلهم من الحضيض الذي أقعوا نفوسهم وأهليهم فيه.
إنه إرهاب يجتاح الشباب ويهدد أسرًا بأكملها فهل من مغيث
الأمهات 'فيقوا عاافاكم وليداتكم فخطر'، راقبن وإنتبهن لهم، البوفا لا رائحة ولا دين له. غيابكن وانشغالكن الطويل عتّم الأنوار في البيوت، والضريبة يدفعها الأطفال وسيدفعها مجتمع بأكمله وأمة ستقضي في صمت مطبق.
استغاثة الأسر ملء الأفق، نحن أمام خطر داهم، وكلنا معنيون، كلنا لنا دور في الذّود عن شبابنا وبناتنا من داء سرى واستشرى. على السلطات حسره ومواجهته بقوة وحزم. لأنه بات يهدد حاضر ومستقبل والوطن، وسيأخذ معه الأخضر واليابس ما لم تهب وتتحرك لنجدة البلد وفلذات أكباده من هذا الجحيم المستعر
حري بالآباء أن يعودوا لرشدهم ويصلحوا ذات بينهم، عليهم أن يرتُقوا فتق العلاقات الأسرية الذي نحاهم ودورهم وجنح بهم بعيدا عن هموم أولادهم. فخراب البوفا لا يقتصر على الحياة الشخصية لضحاياه، بل يمتد آثره إلى المجتمع بأكمله.
يجب أن تتضافر جهود الدولة وجهود الفعاليات المدنية والجمعيات لمكافحة البوفا والمخدرات وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين وأهاليهم. لنجدّد التزامنا بقيمنا الاسلامية والإنسانية ونعمل بروح العطاء والتضحية لنحمي مجتمعنا، فبيدنا تغيير ما هو كائن وصياغة غدٍ مشرق لأجيالنا القادمة
هذا نداء إنساني وعلينا كمغاربة أن نساهم في نشر الوعي برفع شعار "لا للبوفا" للتحسيس بخطورة الداء وعلاجه قبل عضاله.
ليعم الأمان والاستقرار ربوع الوطن. ودمتم ودام اولادنا بسلام ووئام
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...