F
ميابيلا ميابيلا
random

آخر الأخبار

random
random
جاري التحميل ...

تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...

عبر من الحياة

عبر من الحياة
عبر من الحياة

  

    كلما ضعفت إرادتي، أستدعي من ذكريات الطفولة إحدى القصص العظيمة التي رأيتها بأم عيني في مدينتي الصغيرة أرفود، عندما كانت تصحبني أمي معها في زيارة لأسرة بسيطة متواضعة كان لها مع البلاء دراما  صعبة، بيد أنها تجاوزتها بتحد وبطولة.
  كان للأسرة وقتها خمسة أطفال؛ بنت وسط أربع إخوة، وكان لهؤلاء الذكور وضع صحي صعب للغاية، حيث يبدؤون مراحلهم العمرية الأولى بشكل طبيعي، لكن ما أن يبلغوا سن الرابعة عشرة حتى تعـــتل أجسامهم الفتــية ويعتريها الاعوجاح ، ويستمر حالهم  كذلك حتى يُقعدوا على كراسي متحركة .
ومع هذا الابتلاء الجلل، رأيت أمهم رغم وهن جسمها، صابرة راضية لا تفارقها الابتسامة ولم يكن زوجها أقل احتسابا منها في ذلك.
فكان الزوجان الراضيين يتناوبان في تعهد أبنائهما دون تذمر، وكانا كلما استشعرا ضعفا نفسيا أو إحباطا يلـــــبد بالغيوم  سماء أبنائهما الأربعة يأخذ أحدهما الدف فيضرب عليه وينشدون جميعا أبيات من الزجل  المغربيهذه كانت سبيلهم لامتصاص الضغط النفسي،ومشاعر الضعف التي كان يفرضها عليهم الظرف الذي لا يعـــلم مدى صعوبته إلا الله، فيبعدان السأم والكدر عن بيتـهما المتواضع، فيسـتـنـشق الزائر بين جـنـباتــه عبيــــر الطمأنينة والرضا، يتضوع ونسائم الإيمان تفوح.
   فتح الله على هذه الأسرة الشريفة من أبواب رزقه ورحمـته ببركة الصبر بعد أن لقي الأبناء الأربعة ربهم الكريم الرحيم الذي لا يُضيع مثقال ذرة من خير سبحانه {{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويِؤتي من لدنه أجرا عظيما }} النساء آية 40
   ومن لطائف الأقدار أن جعل الله لنا في مثل هذه القصص الحية عبرًا ناطقة تأخذ بأيدينا للأوبة إليه، ممتنين لأنعمه التي لا تحصى، فله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد الرضا.
    ويشاء الله سبحانه، وبينما أنا أنقح الخاطرة، أن أصادف قصة شبيهة بالتي ذكرت آنفا، هذه المرة في مدينة الرشيدية غير بعيد عن مدينتي .. في بيت السيد حكام تتحدث المعاناة بكل اللّغات، كيف لا وأبناؤه السبعة من الجنسين تتشوه أجسامهم الغضة ويصابون بالشلل عندما يصلون عتبة الثلاثة عشرة من أعمارهم، وتزداد حالتهم سوء بتقدم سن حياتهم. يتفطر الأبوان أسى وحسرة على فلذات أكبادهم السبعة وقد عجز الطب عن إبلالهم .

العبر عديدة في الحياة احيانا تكون أشد مما ننشاهد لا نملك أمامها إلاّ أن نردد بكل يقين وإذعان : يا الله، يا لطيف، يا جبار القلوب، لك في كل شأن من شؤون خلقك حكمة بالغة لا يحيط بها بنو الإنسان ، فانشر سحائب رحماتك على من اخترتهم لبلاء تنوء بحمله الجبال، واجعل لي ولهم عوضا في رحاب جنانك رفقة المصطفين من رسلك وأنبيائك.
حرر سنة 2011

عن الكاتب

مليكة بالكشة صانعة محتوى وكاتبة مقالات على عدة مواقع، متتبعة لسبل التعليم الذاتي والتطوير المستمر، تم اختياري في 2015 سفيرة لمنصة إدراك التي نهلت من مبادراتها الكثير. كنت أول مغربية تحظى بهذا اللقب، واعتبرته وساما وشّح مسار تعلمي، شحذ همتي لطموحات اخرى في الانترنت الذي أتاح لي فرصا ما كانت لتحقق لولا تيسير الله للجني من محامده التي لا تجحد. مما رسّخ قناعتي بأن أفضل سبيل للتغلب على الصعوبات التي تعترض طريقنا، هو الإنجاز والصمود أمام المواقف ومواجهتها بمرونة وعدم تشنج أوانفعال. ولإيماني بأن تغيير نمطية التفكير عندما يكون بفلسفة المحبة تكون طاقته أعلى في التأثير، حركتني عاطفة جياشة لتأسيس مابيلا، التي أشارك بها تجربتي كما تجارب إنسانية أخر ربما تنفع أو تعين شخصا، بطريقة ما، في تحسين جودة حياته، كما أدوّن أفكارا في مواضيع حياتية مجتمعية أناقشها ليس كطبيبة، ولا مختصة، وإنما كإنسانة تعلمت مما جادت به مواقف الحياة المختلفة، بعد تجربة مرضية غيرت مجرى حياتي بالكامل.. وجعلتني أصمد وأقف قوية في أشد حالات الضعف.. وعلمتني بأن ما ندركه في أوقات الألم لا ندركه أبدا في أوقات الدعة والدلال.. وأن ما نمر به يوميا من محن ومرارات ليس عبثيا.. بل حكمة الهية لتغيير اتجاه بوصلة قلوبنا للأوبة الخالصة إليه سبحانه.. مليكة بالكشة

التعليقات

No

اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

ميابيلا