شهوة الشهرة بين التشهير والتأثير: فوضى يوتيوب
![]() |
شهوة الشهرة بين التشهير والتأثير: فوضى يوتيوب |
مقال جديد شهوة الشهرة بين التشهير والتأثير: فوضى يوتيوب على ساسة بوست
{فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} سورة الرعد112
أسراب الفيديوهات تستفز فضول العابرين في سوق يوتيوب المزدحم.. طائفة ترقى بمستوى الفكر النّهِم، وطائفة تجنح ببضاعة مزجاة عن صواب الفهم والكلم؛ تقذف يمنة ويسرة بالتّهم، و تتقصّى فضائح الأشخاص، وتتتربص فلتاتهم، كي تسارع في نشرها قبل الزخم.
فلمجرد الدخول للموقع ينهال علينا وابل العناوين، التي تُنتقى بعناية تسلب الزائرين، وكلما تعلّق المحتوى بإسم فنان، أو تصدر بفضيحة فلان، كلما تخطى عدد المشاهدات المليون والمليونان..
لا أحد يجحف المحتوى القيم الذي تقدمه الفيديوهات الهادفة، ولا أحد يملك أن يبخس حق المدونين اليوتيوبرز' المغاربة، الذين تمكنوا من فرض مكانتهم وسط ملايين المستخدمين للمنصة بنصائحهم، ومشاركة آرائهم، مهاراتهم، خبراتهم.. سواء في عالم المرأة نذكر على سبيل المثال كل شيء مع جيجي'Eveything with Jiji' ، شهيوات داري مع الأخت حليمة الفيلالي، إحسان بنعلوش، أفكار بسيطة مع هناءء، سهام الراشدي وغيرهن..
وفي عالم التقنية، نجد أمين رغيب مؤسس مدونة المحترف، حيث أثر بفيديوهاته في مجموعة من المدونين الذي ساروا على نهجه في ذات المجال.
أسماء غزيرة، قدّمت محصولا معرفيا في مجالات مختلفة ذي جودة عالية، تروم به المنفعة قبل الحوافز المالية. فعرفت السر المكنون للنجاح في الوصول للمشاهد المستهدف تاركة انطباعا جيدا، ووقعا إيجابيا يبدو جليا في عدد المشاهدات، وكم التعليقات التي تنم عن الثقة وحسن التفاعل، وتنم كذلك عن مدخول مادي معتبر، ومتمايز من قناة لأخرى.
ليس من المعيب أن يكون للمدون عائدا وربحا من يوتيوب، فهو مادام يعرض محتوى نافع يسدي خدمة، يهدي فكرة.. فهو يستحق لم لا أن يثاب على عمله ومجهوده بالأجرين: أجر المنفعة من الله، وأجر المغنمة من يوتيوب؛ ولكن المعيب أن يساهم ببضاعته في فساد الأمة، وإحباط الهٍمّة، وتكريس الشحناء والبغضاء..
خاصة في خضم هذا الهوس بالشهرة الزائفة الذي يعتور طغمة من الناس غفر الله لنا ولهم، الذين وجدوا في منصة يوتيوب متنفسا لترهاتهم وأراجيفهم، وأراجيف كل من هبّ على شاكلتهم، ففتحوا قنوات لقلة الأدب، يشيعون الرذيلة والشغب.. شغلهم الشاغل صنع البوز لجني الأرباح، وجلب الزوار، ولو بالفحش الجهار، مع كشف الأستار، وتزوير الأخبار، دون مراعاة لحرمة المسلم إمتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} وفي حديث آخر {ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر: من هجر الخطايا والذنوب}
لقد إلتبك على الكثير، نابل التشهير، بحابل الشهوة في الشهرة والتأثير، في غياب شبه تام لوازع إيماني حازم، ورقيب صارم، يكفان إنتهاك المحارم، والسقط الجارم، كما يضعان حدا للتذييل في الكلام عن بعض الأعلام، أو حتى سائر الناس من العوام..
وإنه لمن المؤسف أن نرى محرك الرغبة في السيادة، يدفع الإنسان إلى حب ضرير للمادّة، حاد به عن الجادّة، إذ طلب الريادة في غير أمور جادّة؛ بغيّ الرفاه، فأتاه في قفاه، وأراد الشهرة، فطلبها في الرخص والتشهير.. ثم أحب التأثير، فأخطأ التقدير، وتضاءل في التفكير، عندما صار لهواه أسير..
لا غرو في كون المال والوجاهة عصبا الحياة الدنيا، وزينة من مباهجها العليا، بل هما بوابتا إدراك الرغبات، وعليهما تقوم سائر الأمم والحضارات يقول سبحانه وتعالى {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنظرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} سورة آل عمران آية 14.
ولا غرو أيضا أن شهوة إمتلاكهما خليقة متأصلة في طبيعة الإنـسان، أودعها الله فيه مثلها مثل باقي الغرائز حفاظا على سلالته، وضمانا لاستمراريته. يقول جون ديوري" إن أعمق دافع في طبيعة الإنسان هو الرغبة في أن يكون مهما " " وإن كل شيء نفعله ينحدر من دافعين الدافع الجنسي والرغبة في العظمة " سيجموند فرويد.
بيد أن قول الله جل في علاه يأتي ليكبح جماح تينك الدافعين في آل عمران { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد} آية 16
إن لشهوة المال والشهرة لسطوة، إن لم يتم تقنينها بزمام الشرع تحولت إلى حرص شديد، يأخذ بلب المرء، فيطمس بصيرته، وعن طريق الحق يصدفه؛ وسرعان ما يسقط صريعا في قيد هواه، مفتونا في دينه ودنياه، فوجب توخي كامل الحيطة والحذر؛ لأن ذاكرة الزمن غير خاضعة لعمر.. ولا تقاس بمقاييس الدهر، وطوبى لمن كُتب إسمه على صفحاتها بماء الزهر، وخُلّد ذكره بطيب الأثر.
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...