هل ضيّعنا الله ؟ قصة غريبة جدا
![]() |
هل ضيّعنا الله ؟ قصة ايثار في زمن المصالح |
ليس الجود أن تعطي الآخر ما هو أشدّ منك حاجة إليه، وإنّما الجود أن تعطي الآخر ما أنت أشدّ إليه حاجة منه. وهنا مكمن الإيثار، وتأكد أن ما تتخلى عنه وتتركه فهو يعود ويكون لك، لكن ما تخبئه وتتمسك به وتخاف عليه في غالب الأحيان يذهب لغيرك.
جاءت
ليلة العيد، فقالت زوجة لزوجها:
العيد
غدا يا أبا عبد الله، وليس لدى أطفالنا ملابس جديدة يلبسونها مثل أطفال
الجيران، بسبب إسرافك وإنفاقك على غيرك من الناس دون تدبر وإحساس!. قال
الزوج: أنا أنفق أموالي في الخير ومساعدة المحتاجين يا امرأة ، وهذا ليس إسرافا يا
أم عبد الله.
إبعث
رسالة إلى أحد أصدقائك المخلصين ؛ راسل صديق الهاشمي أو حبيبك اسامة لعلهما
يقرضانا بضعا من المال، نردُّه لهما عندما تتحسَّن أحوالنا.. إن شاء الله .
كان
لهذا الرَّجل صديقان مخلصان؛ أحدهما يدعى الهاشمىِّ، والثاني أسامة. استسلم
الرَّجل أمام إلحاح زوجته، وأجاب طلبها حتى يسلم من لسانها وعتابها ، وكتب رسالة أعطاها
لخادمه، وطلب منه أن يذهب بها إلى صديقه الهاشمىِّ.
ذهب
الغلام إلى الهاشمىِّ وأعطاه الرِّسالة. فتحها الهاشميّ ، ولما اطلع على فحواها
عرف أنّ صديقه أصبح لا يملك شيئاً وأنه في شدة وحاجة. قال لخادم صديقه:
أعرف
أنّ سيّدك ينفق كل ما عنده من أموال في عمل الخير ولا يبقي شيئا . خذ هذا الكيس
وقل لسيِّدك إنَّ هذه الدَّنانير هي كلّ ما أملك في ليلة العيد.
عاد
الخادم إلى سيِّده وناوله الكيس. ولما فتحه الرَّجل تهلّل وجهه. فهب لزوجته
يبشرها: يا أم عبد الله، يا أم عبد الله أبشري بخير كثير، هذه مئة دينار أرسلها
الله إلينا.
سرت
الزوجة سرورا عظيما ورأت أن تسارع بشراء حاجاتها وحاجات أطفالها قبل أن يحدث أمرا
تخشاه كل مرة، قالت له: أسرع .. أسرع بنا إلى السوق يا أبا عبد الله لنشتري ملابسا
وأحذية لأطفالنا .
وفي
هذه اللَّحظة بالذات دقَّ الباب، وانقبض صدر الزوجة المسكينة من شؤم الطرقة ..
فتح
الرَّجل، فوجده خادم صديقه العزيز أسامة وبيده رسالة سلّمها له.
اطلع
على فحواها، ووجد صاحبه أيضا يطلب فيها بعض المساعدة ليدفع دينا حلّ موعد سداده، وحدث
ما كانت تخشاه الزوجة المسكينة، لم يكن من أبي عبد الله إلا أن أعطى الخادم
الكيس الذي أرسله إليه صديقه الهاشمىُّ وبداخله المبلغ كاملاً دون أن يأخذ منه
فلساً.
ثارت
ثائرة الزَّوجة، واشتط غضبها على زوجها اللامبالي لأسرته، وبدأت في توبيخه وتأنيبه
على تفضَّيله صديقه عن أولاده، فقال لها زوجها ببرود غريب: كيف أمنع ما عندي من
خير؟ ! كيف أبخل عن صديقي لجأ إليّ في كرب وضيق ، والله ما كنت أرد حاجة رجل جاءني
يطلب المساعدة.
مرَّت
ساعة كانت جحيما على صاحبنا ، ثمَّ طرق الباب مجددا . ولما فتح أبو عبد الله الباب
تفاجأ بصديقه الهاشمىُّ أمامه، عانقه، ورحَّب به أيما ترحيب، وأدخله مهللا
فرحا.
ثم
بادره الهاشميُّ بالسؤال: لقد جئت أسألك عن هذا الكيس، هل هو الكيس نفسه الذي
أرسلته إليك مع خادمك وبداخله مائة دينار..
نظر
الرَّجل إلى الكيس وقال في دهشة نعم..نعم..إنَّه هو... أخبرني يا هاشمى.. كيف وصل الكيس
إليك ؟.
أجاب
الهاشمىُّ: عندما جائني خادمك برسالتك، خجلت من ان يعود اليك خائبا وانا اعلم
ضائقتك وسلمته الكيس الذي لم يكن عندي في بيتي غيره، بعدها أرسلت إلى صديقنا أسامة
أطلب منه المساعدة.. ففاجأني أسامة بأن ّقدّم لي نفس الكيس الذي أرسلته إليك كما
هو، دون أن ينقص ديناراً واحداّ، فتعجَّبت وجئت إليك لأعرف السِّرَّ.
ضحك
الرّجل قائلا: لقد فضَّلك أسامة على نفسه وأعطاك الكيس، كما فضَّلتني أنت على نفسك
يا هاشمىّ.
ابتسم
الهاشمىُّ وقال: بل أنت فضَّلت أسامة على نفسك وأهلك .. ما
رأيك يا أبا عبد الله في أن نقتسم المائة دينار بيننا نحن الثَّلاثة؟
أجاب
الرَّجل: بارك الله فيك يا هاشمىّ ! بارك الله فيك، هكذا يكون معدن الرجال
سمع
الخليفة بهذه الحكاية، فأمر لكلِّ واحد من الأصدقاء الثَّلاثة بألف دينار.
عندئذ دخل الرَّجل على زوجته وفي يده الدَّنانير الألف وقال في سعادة غامرة: ما رأيك يا أمَّ عبد الله هل ضيَّعنا الله؟. قالت المرأة: لا والله يا أبا عبد الله، ما ضيَّعنا، بل زادنا رزقاً !. فقال الرَّجل: عرفت الآن يا زوجتي العزيزة اَنّ الإنفاق في سبيل الله تجارةٌ رابحةٌ لا تخسر أبداً . وطوبى لمن وقاه الله شح نفسه في زمن المصالح وتمثل فيه قوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة }
قصة رمزية مطابقة لقصة حدثت في أيام كدنا نرى فيها اندثار قيمة الإيثار في تصرفات بعضٍ؛ يضعون مصلحتهم فوق كل إعتبار، ويقدمونها عن مصلحة غيرهم دون مراعاة لحق الآخر عليهم .
دمتم بسلام ووئام - مليكة
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...