الجانب الآخر من حياة ليلى جانا صاحبة أكبر مشروع اجتماعى للقضاء على الفقر فى العالم
![]() |
الجانب الآخر من حياة ليلى جانا صاحبة أكبر مشروع اجتماعى للقضاء على الفقر فى العالم |
" انتهى كل شيء قبل هذه اللحظة ، وكل شيء بعد هذه اللحظة لم يكتب بعد في القصة العظيمة لحياتك ، أنت المؤلف والمتحكم الوحيد لما يحدث في حديقتك . لا يوجد أي مبرر؛ لا يمكن أن يكون هناك أي مرارة تجاه عالم غير عادل ، لأنه في حديقتك لا يوجد سوى الجمال والضوء والخير ، المخصب بالقرارات التي تختارها ". كلام جميل ورائع لإنسانة كانت كأنها تسابق الزمن لتترك أكبر حصيلة من الانجازات قبل الرحيل .
مرحلة جديدة في حياتها
في هذا المقال سنرى عن قرب ، ونتعرف على الجانب الآخر من حياة ليلى جانا صاحبة أكبر مشروع اجتماعي للقضاء على الفقر ، التي لطالما كانت مبادرة على الصعيد الإنساني كما شاهدنا في المقال السابق ، ورغم كل انشغالاتها كانت تحاول دائما أن تخصص بعض الوقت لتجديد طاقتها ، فلا تتأخر أبدا كلما أتيحت لها فرصة القيام بأنشطتها الشخصية ، فقد كانت مولعة بركوب الأمواج الشراعي في البرازيل ، إضافة إلى عشقها للغطس وكانت غواصًا ماهرا في الأداء الحر ، كانت تحب التجديف عبر غابات المنغروف غير بعيد من منزلها في كينيا الذي تشاركته مع زوجها تاسيلو Tassilo Festetics الذي كان يوافقها توافقا تامّاً بنفس الاهتمامات ، جمعتهما علاقة قوية منذ إلتقائهما في2017، كانا بارعين مغامرين في ممارسة نفس الهوايات معًا ، يستكشفان الصروح في المكسيك ، ويدرسان الحياة النباتية في إندونيسيا ، ويراقبان البرية في كينيا .
لقد أحبت ليلى المحيط لدرجة جعلتها تحلم بوظيفة ثانية كعالمة أحياء بحرية.. بيد أنها في ربيع عام 2019 تأهبت لنضال من نوع مختلف ، لما عرض عليها تعب مفاجئ ألزمها الذهاب للمستشفى لإجراء كشوف طبية ، انتهت بتشخيص إصابتها بسرطان نادر في العظام يدعى " الساركوما الظهارية (ES) " . ظلت تعانده كالعادة ، مواصلة مشوار عطائها دون انقطاع ..
رغم استشراء المرض ، و تدهور صحتها .. إلا أن الابتسامة لم تكن تفارق محياها، كانت مفعمة بالإيجابية في كل أحوالها، تنشر البهجة، وتخلق جوا من المرح مع أولادها وعائلتها واصدقائها الذين لم يبرحوا مكانهم قريبا من سريرها . كانت تحاول الإستمتاع بوقتها إلى أبعد حد ؛ تعلمت الرسم، العزف ذاتيا على بعض الآلات الموسيقية كالقيثارة ..
بدأت العمل مع مبادرة Research to the People ( مبادرة بحثية طبية حيوية غير هادفة للربح ) لتسريع البحث حول مرض الساركوما العظمية ، وتحديد العلاجات المحتملة خارج نطاق الرعاية. لكن حدث ما علّق أحلامها ومسيرتها الإنسانية .
وفاة ليلى جانة
"بصرف النظر عن السرطان ، فقد عشت فترة من أفضل الأوقات في حياتي ".
توفيت ليلى جانه ، رائدة الأعمال الاجتماعية والناشطة والمغامرة، يوم الجمعة الموافق 24 في عمر 37 عامًا . طويت صفحة حياتها ، وغادرت الدنيا لكنها لم تغادر قلب زوجها ، وابنتها ميا ، وأولادها ، والأصدقاء الذين أحبوا روحها المعطاءة . وسيبقى ذكرها في قلوب من كانوا يشكون المخمصة والقهر بالمناطق الفقيرة. وناضلت من أجل خلق فرص عمل يليق بهم .
وقبل وفاتها بأسبوعين ، عقدت مجموعة Research to the People قمة ضمت أكثر من 50 خبيرًا في اختصاصات مختلفة لتحليل بيانات حالة ليلى. تضمن الهاكاثون الطبي الذي استمر لمدة 3 أيام بحثًا متعمقًا حول مرض ES وطفراته الجينية في محاولة لتحديد أساليب علاجية جديدة لمكافحة هذا الساركوما العدواني.
وعلى أمل النهوض بالأبحاث ES ككل ، أجرت ليلى تسلسل جينوم للسرطان ، ولا يزال تحليل عينة الأنسجة الذي أجرته يوفر فرصة علمية ربما يكون لها صدى ايجابي مستقبلا. وبناء على رغبتها بقي البحث مستمرا، وستتم مشاركة نتائجه لصالح مرضى ES مستقبلا.
بعيدا عن رؤية ليلى السديدة وطريقتها في التصدي للفقر و البطالة ، لكن قصتها أخذتني لبعد آخر ، جعلني أتساءل كيف تمكنت من فعل كل هذه الأشياء بهذا السن، وفي حيز زمني قصير !
فعلا، لا تقاس الأعمار بالعقول ، كما لا تقاس بالسنوات ، وإنما تقاس بقدر الخير والحب الذي ينشرهما الإنسان ، بقدر الفرحة التي يوزعها في حياة الاشخاص الذي صادفهم قدرا في طريقه وبقدر جبر خواطر المنكسرة قلوبهم في هذه الحياة .. ذكرتني قصة ليلى بقصة الطبيب الإنسان أحمد السميط الذي آثر حياة الأدغال عن حياة العز والرفاه بالكويت ، وشد الرحال نحو إفريقيا ، متنقلا بين كينيا موزمبيق وملاوي ... يعالج المرضى في مشفاه الميداني ، ويمسح دمعة ومترتبة الكائن الإفريقي إلى أن وافته المنية رحمه الله بعد أن أسلم على يده 11 مليون إفريقي.
أقساط العمر تمرّ، والمصير إليها لا مفرّ✋
كم هو جميل أن يعيش الإنسان لغاية، وبغاية
جودة الحياة تتحق برسالة يحيى بها الإنسان ولأجلها، يحقق بها إنسانيته قبل أن يأتي موعد رحيله.. ، ومن الحكمة أن يقدم شيئا يخلد أجره وذكره في الأرض، مهم أن يستثمر في المدة المتاحة .. مهم جدا أن يتأمل حياته بين الحين والحين، وينظر حول ماذا يمحورها، وحول أي فلك تدور، وفي أي اتجاه يسير، لأنه لا قيمة لحياة بلا هدف ، ولا قيمة لعيش بلا معنى .. قد يبدو الكلام مستهلكا لكثرة ما يتردد، لكن والله إني لأجده ذكرى وفلسفة عميقة لمن له بصيرة، أو ألقى السمع وهو شهيد . فاللهم اجعلنا من قال و عمل بمقتضى الآية ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ الأنعام: اية 162 و 163
اطلعوا على حياة ليلى جانا المهنية والاعمال الانسانية التي قامت بها من هنا .
دمتم بسلام ووئام - مليكة
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...