شغل الحموات وتدخل أهل الزوج في الحياة الزوجية
للمشاكل مع أهل الزوج جوانب متعددة ، يتعلق جزء مهم منها بالمفاهيم الخاطئة ، والثقافة السائدة التي تحتكم الى العرف أكثر من احتكامها الى الشرع المنصف للمرأة سواء كانت أما حماة أو زوجة إبن ، تماما مثل إنصافه للرجل بصفته أبا أو حما ، فصان حق الآباء في التبجيل والولاء ، دون أن يغبن الكنائن في الذمام والوفاء .
ولكن فئة من العقليات تنظر للإنصاف بطريقتها ، وتستبد بآرائها ومواقفها ، فما أن يتزوج الإبن حتى ينشب صراع العروش في حرب ضروس بين أهل الزوج والعروس ، هاته الجديدة التي يُنظر إليها غالبا كدخيلة غيّرت إبنهم عليهم ، وأتت لتختطفه من حضن أمه وأبيه ، وتستفرد بجني ثمار تعبهما لوحدها ، محتكرة الولد وراتبه لنفسها .
فيعلن ضدها العدوان ، وتنتزع أحقيتها في عيش حياتها الزوجية باطمئنان ، ما يدفع بعضهن للتكشير عن مكرهن بكل الألوان ، فيشرّع إنتهاك الخصوصية عند أول فجوة ينتهزها الوالدان ليستأثرا باهتمام ابنهما أثيرهما ، ويسحبا البساط من تحت قدمي تلك الكنة التي تسقط بعواطفها في فخ التنافس ، والتجاذب لكسب الزوج ، ودفعه عن أهله إن لم تكن طيّبة الأرومة .
عادة ما تكون مشاحنات الطرفين في أوجها ببداية الزواج لحداثة سن الزوجين وقلة خبرتهما في معالجة الوهم الذي يسكن الأهل بأن ابنهم سيولي بعيدا في حال استقلاله بحياته الزوجية ، ويتنامى خوفهم إن لوحظ ميله لزوجته وتعلقه بها ، خاصة في قلب الأم الملتصق بفلذة الكبد الذي طوت عمرها لأجله وكان هو مرفّأها الآمن للحب والعطف .
السمة النفسية خصيصة اتصفت بها الحماة ، كرسها الاعلإم وثبتتها واستجابت لها طغمة من الأفهام ، فقد كان مجرد إستشعارالمسكينة لوجود أنثى غيرها في حياة ولدها يُربكها ، فكيف وقد رأتها رأي العين . إن هذه الحقيقة رغم مكابرتها توزع مشاعرها المتضاربة ؛ فإحساس الفرح بزواج ولدها يأخذها حينا ، ويرسلها الحزن والعتب على بعده حينا أخرى .
عاطفتها الشديدة اتجاه ولدها وحساسيتها المفرطة يهيّجان انفعالاتها ؛ فلا هي قادرة على إظهار الحب لكنتها ، ولا هي قادرة على التعامل معها بلطف ومرونة أو حتى حيادية..
أما حين تستعر الغيرة وتوجه تصرفاتها لإحساسها أن مكانتها تلاشت ، فذاك وجه مكفهر من الصراع ، لا تنبسط أساريره إلا بافتعال خصومة قابلة للتأجيج بأي رد فعل طائش من الإبن أو زوجه .
ربما تبدو هذه الدراما الإجتماعية غريبة رغم تفشيها ، وقلة من الأسر التي تنجوا من براثنها في غياب حصافة الرأي من ناحية الأهل ، كما من ناحية الزوجين وأخصهما بالذكر، لأن بحصافتهما وحنكتهما يستطيعان استئصال باكورة المؤاحنة والمشاكل العائلية وشغل الحماوات..
أي نعم ، توجد لظاهرة الحماوات بواعث مضمرة تختلف حدتها حسب عقليات الأفراد وثقافاتهم ، غير أننا إن تقصيناها في العمق سنكتشف مرجعها لسبب مهم وهو فشل الزوجين في وضع مسافة أمان تجنب الصدام ، وعدم تحقيق درجة مناسبة من الإنفصال عن الأسرة الأصل التي يكون ارتباط الزوج بها أقوى من ارتباطه بشريكته أو العكس أيضا ، ما يولد الشعور بالغيرة لدى الطرف المقابل ..
كيف السبيل لتجنب المشاحنات ؟
حتى يكون الفرد في صحة نفسية جيدة ، عليه أن يمتلك حس الإنتماء لأسرته ، وحس الإنفصال عنهما في نفس الآن ' هذا الإنفصال عن أسرة المنشأ يتيح له تحمل مسئولية أفكاره ، مشاعره ، إدراكاته ، تصرفاته وأفعاله ' كما تقول نظرية النظم الأسرية ، إنفصال في اتخاذ قرارات تتعلق بأسرته الناشئة وتأطيرعلاقته الخاصة بزوجته بشكل مستقل ومسؤول .
وتفسر الأستاذة نسيمة داوود في بحث لها حول أثر العلاقة بأهل الزوج في السعادة الزوجية أن الإنفصال الصحي عن أسرة المنشأ يعني التخلي عن الحاجة الشديدة للأهل ، وتنمية الشعور بالاستقلالية ، والاعتماد المتبادل بين الزوجين '
وبالتالي ، فالمراد بالإنفصال ليس الجفاء والقطيعة ، معاذ الله ، فعلاقة الإبن بوالديه علاقة مقدسة ورضا الله عز وجل مقرون برضاهما؛ وإنما المراد استقلالية نفسية، عاطفية وتعقل في إدارة الاختلافات مع الشريك ، وعلاجها بثنائية تامة مع تجنب نقلها لبيت الأهل مهما كان المسوّغ .
فكلما كانت عقلية الزوج ناضجة في احتواء الموقف بهذا البعد المتوازن ، وشخصيته أمام أمه وزوجته كان لها حضورها الوازن ، كلما زادت فرصة نجاة عشه من مزالق المشكلة الأزلية ، وتنعم بحياة صحية ، لكن قبل هذا وذاك عليه أن يجيد اختيارشريكة سوية تشاطره في النضج والروية ، تصوبه متى أخطأ وتشجعه متى اصاب ، تبره في أهله كما يبرها في أهلها ، ويصلان معا لرؤية مشتركة ترضيه وترضيها في مفاهيم العلاقة مع الأهل والحماة بوجه التحديد .
تأكد أيها الشاب ، أن جمال الشكل وحده ليس كافيا في مواصفات الزوجة المستقبلية ، فالجوهر الضمني المتجلي في الحكمة وحسن الخلق ، وسعة الأفق ، هو ما يقوي وثاق الحب والارتباط بينكما ، فيتحقق بذلك قصد الزواج . أما عن النكاح فليس قصده الإثارة والإهاجة، ولكن القصد إذا هاجت طبيعة التكوين وجدت مصرفا حلالا شرعه الله كما قال الشعراوي رحمة الله عليه .
لا جرم أن ، تجاهل النقاط المذكورة يعد الشرارة الأم التي تشعل فتيل خلاف ، يعيّش الزوج في حيرة وعذاب للتوفيق بين ندّين متضادين ، بينهما برازخ نفسية تتفاصل فيها القلوب وتتنافر ، وتعزف الأرواح وتتناحر، وتجعل البعض يبغي على بعض في غيظ مكتوم كأعداء خصوم .
وطامة الطامة ، حين يخيّر الابن في الوقوف مع طرف دون طرف ؛ أن يكون مع أهله مقابل زوجته ، أو مع زوجته ضد أهله ، وهو في الحالتين خاسر لا محالة لسكينة نفسه ، واستقرار حياته .
بيد أن في تفويته الإحسان لوالديه ورضاهما خسارة لا تعوض ولا تستدرك ، فهو عقوق حذر الله من إتيانه ، وعدّه من أكبر الكبائر الموجبة لغضبه سبحانه في الدنيا والآخرة ، بل قرن عبادته ببر الوالدين والإحسان إليهما في قوله جل من قائل بسورة الآحقاف { وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَٰنًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهْرًا } آية 15 ، وفي سورة الإسراء آية 23 { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } .
فحري بالأهل أن لا يستغلوا هاته المسألة في الضغط على الإبن بأي شكل من الأشكال ، فنجاحه في ارتباطه يفترض أن يؤزر بدعمهم وموازرتهم . وحري بالزوجة أن لا تنسى أن نوعية العلاقة مع أهل الزوج تتحكم في مقياس السلام الزواجي بدرجة كبيرة .
إن لحمة المرء عائلته وأنسباؤه ، و أهل الزوج هم لب الخلية الإجتماعية ، وجزء لا يتجزأ من كينونة الشخص ، يستحيل إنفصاله وفطامه عنهم ، ويبقى الولاء لهم أبديا ، ولهذا على الفتاة الحصيفة أن تنتبه لأخلاق وطباع عائلة من تختاره شريكا لها ، فإذا وجدت بأنها تستطيع التواؤم والانسجام معهم ، فبارك اللهم . أما إذا رأت البون شاسع في الأصل والوصل فالأولى أن تنقذ سلامتها من هذا الارتباط ، قبل أن تجد نفسها في يوم من الأيام مضطرة لاستيعاب وضع لا طاقة لها به ، يفتح مداخل الشيطان إلى قلبها ويحملها على ظلمهم ، وتسقط في جو المناوآت المؤكسدة لصحتها النفسية والجسدية وحياتها الزوجية التي يتوقف نجاحها على مدى نجاتها من هاته الصراعات المجّة والتجاذبات الفجّة .
أذيل مقالي ببحث أكاديمي مختصر في 24 صفحة - هو ما وجدت نظرا لشح المصادر - قامت به الأستاذة نسيمة داوود حول أثر العلاقة بأهل الزوج في السعادة الزوجية من هنا
5 توصيات تشتري راحتك وتكسبي بها حماتك وأهل زوجك
- المرونة حاولي ما أمكن أن تكوني مرنة مع حماتك تشتري راحتك بالأساس ، بعض المواقف تحتاج في إدارتها لذكاء ومرونة أكثر من التعنت ، جربي ولن تخسري شيئا .
- الليونة من غير سذاجة بنيتي فالكلمة اللينة عندما تستخدم في موضعها وبالطريقة الملائمة تكسبك قلب حماتك لصفك وتحفظك من مطبات كثيرة قد تؤثر على استقرار علاقتك الزوجية وربما جعلت حماتك أول مؤيد لك ومدافع عنك وهكذا كانت معي حماتي رحمها الله .
- حكمي عقلك لا عواطفك لا تقفي عند هفواتها ، وتغافلي كثيرا كأنك لم تسمعي ولم تفهمي ، إن تحكمت فيها انفعالاتها فحكمي أنت فطنتك تقلبي أي موقف لصالحك .
- لا تدخلي في صدام مع أهل زوجك أبدا وانتبهي حتى لا تُستدرجين إليه ، سيستنزفك نفسيا ويكلفك كثيرا ، الصدام معركة خاسرة والحكيم من يجنب نفسه الخوض فيها قبل البداية .
- صمتك حصنك في بداية الزواج تعاملي بحذر والزمي ركن الصمت حتى تعرفي مفتاح شخصية عائلة زوجك واحدا واحدا ، وتفهمي كيف تتعاملي معهم بأسلوب يوافق نمطهم ويفتح مغاليق قلوبهم ، وإن لم تغنيك حصيلة الصمت على الأقل يكفيك هم الطويات ، ويبعدك عن التأويلات والمؤاخذات بسقطات اللسان .
- تحاشي النقاش مع أهل زوجك في حضوره ، وتجنبيه مع زوجك في حضور أهله ، وأي سوء تفاهم يمكن حله فيما بعد .
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...