من أين نبدأ التغيير؟
مقال من أين نبدأ التغيير ؟ على ساسة بوست أفتتح به العام الجديد عام التغيير بحول الله تعالى وعونه
من منا لم يصبُ لتحسين جودة حياته، ورفع
مناعته النفسية بعد ما حصل مع كوفيد وتوابعه التي لا زالت تمرج علينا، من منا يمانع التغيير، من منا يرفض أن يعيش
أبي العنان، مرتاح الجنان، أن يحيى ما تبقى من أيام بهدوء وسلام بدون مشاكل، بدون مزايدات أو خلافات.. أكاد أجزم بأنه لا يوجد انسان
يرفض هذا او يتقاعس عن اتخاذ أسبابه، كما أكاد أجزم بأن الأغلب يرغب في تغيير
واقعه، طباعه، علاقاته وأوضاعه... لكن بصراحة، هل ما نحن عليه يبلغنا المقصود؟ هل ما نفعل يكفي لنيل ما نأمل ونؤمّل؟
ربما يقول قائل ما علاقة جرم حقير بالتغيير الذاتي ؟
أوهل بعدُ لم نستوعب القانون الكوني الدال على أن ملامح مجمتعنا، وحياتنا
المعاشة بما فيها من شخوص ومواقف وظروف صنو لملامح عالمنا الداخلي !
وانعكاس دقيق لقيمنا وما يحيى فينا من أفكار ومشاعر ومعتقدات... تجسدها انفعالاتنا
وتصرفاتنا وتكشفها ردود أفعالنا، مسلّمة لا شية فيها قبل أن يذكرها قانون الانعكاس
أوThe Law of Reflection أدل
عليها القرآن {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً
أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم} سورة
الأنفال 53 .
تغيير الأوضاع المجمتعية مقرون بحتمية سبر نوايا الأفراد وتغيير ما فسد في
خفايا ذواتهم، قاعدة كونية نزلت في زمن لم تكن فيه شعارات تنمية بشرية، ولا
برمجة لغوية عصبية ولا أبحاث ولا دراسات، لتقلب المعادلة، وتنبه الإنسان إلى أن
التغيير عملية تفاعل وتدافع تحدث في الداخل ومنه تنطلق نحو الخارج وليس العكس.
إن ما كان من قلاقل واندثار أشخاص وأمم، وتردي أوضاع أمنية، اجتماعية، اقتصادية
وسياسية إلا باندثار أخلاق وقيم أهلها، وظلمهم لأنفسهم بظلمهم لبعضهم، {قل هو من عند أنفسكم} ، أي ألم قاسته البشرية وتتلظى منه
اليوم مرده إلى طغيان النفوس او 'الإجو' بالمفهوم النفسي.
فالنفس هي السبب والمسبّب لكل ما يحدث، ومنها منطلق تغييره مصداقا لقول الله
تعالى في سورة الرعد [ آية 11] { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } جاءت "إن" لتؤكد وتثبت ضرورة رجوع الإنسان إلى مكنونات نفسه، و"لا"
لتنفي التغيير والإبلال ما لم يتم اجتثاث أصول السقم الممتدة فروعه في عرض منظور.
وفي تفسير الآية يحدثنا بن باز رحمه الله: لا يُغير الله ما بقوم من خير إلى
شر، ومن شر إلى خير، ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء، حتى يغيروا ما بأنفسهم،
فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيروا غير الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد
والجدب والقحط والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا، {وَمَا رَبُّكَ
بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} فصلت: 46.
لهذا كانت الدعوة بالتركيز على أصل الداء من أجل انتفاضة داخلية
تكف أهواء وهيمنة ذلك الايجو.. بمعنى أن الرغبة في تغيير خلل مادي معين في
واقعنا، تقضي بتوجيه مؤشر التغيير نحو الدواخل، والنظر في قرارتها عن مسببات الخلل
المتخفية بلبوس الأهواء، وكل ذات على نفسها بصيرة معنية باستعلام حالها لترى ما
يلزمها بالضبط لتعديل اتجاه المسار.
وعلى من يطلب مبغى التغيير مواجهة حقيقة أن اللأم يأتي بعد تنظيف عفن
الجروح، وعلاج حال تأسّنت ظواهره لن يكون بالركون والسكون
والتأسف... او بأعذار تخلقها نفوسنا لتوائم طبيعتها المحبة للكسل
والميّالة للأهواء، ووالله الذي لا إله إلا هو لن نغير مقدار ذرة ما لم ننتصر
من الداخل، ونتحول من طور القول والتمنّي، إلى طور العمل والتعنّي. مهما
حضر المرء من محاضرات، مهما سمع من دروس ومهما قرأ من كتب وحصّل من شهادات، فلن
يلمس نقلة التغيير الخيّرة إن هو لم يأتيه من وجهه، ويستطب للعطب من أصله، عملا
بمقتضى الإرشاد الرباني على أرض الواقع ، وتفعيل ما تم العلم به في
كل الوقائع.
لكن إقتحام عقبة النفس لا ينال بتلك السهولة؛ لأن ارتقاء أعالي الجبال لن
يؤتى بمعانقة السفوح، وهذا المقال لناشد تغيير لا يعرف مبدأه ومبتدأه.. أو
لعله كلما همّ به يستغلق عليه، أو يجده مُضنى ثم يتراجع وينتكس في كل كرة يحاول،
ويذعن أمام تخاذل نفسه وتقاعسها عن مجابهة مشاق المشوار. كيف لا وأي شيء
يلتحف بالعناء والتكلف، تستثقله النفس وتتصدى له بكل ما أوتيت من رفض وتمرد،
فهي أصعب عقبة داخلية، إن نحن غلبناها صرنا أغلب وأقدر على غيرها من العقبات
التي تصادفنا في رحلة مليئة بمطبات تحتاج صريمة وجهدا، وتتطلب صبرا وتصبرا
ومصابرة واصطبارا.. عوامل كنت ذكرتها في مقال الإنسان بين الطبع والتطبع، تطرقت
فيه لإمكانية تغيير الطباع إن توفرت له أربعة أركان: إعتراف ، نية ، إرادة
داخلية ، تطبيق عملي فوري بدون تسويف، وهي ركائز يستند عليها الشخص في مسيرة تغيير
تستغرق زمنا مقدرا حسب ارادة الشخص، ورسوخ نيته في تذوق عذوبة وصولٍ تُنسيه مصاعب
المرقى.
والنفس كالطفل إن تــهملهُ شبّ على *** حبّ الرَّضاعِ وإن تَفطمه يَـنـفـطــم
فــاصرف هـواها وحـاذر أنْ تُولّــــيَهُ *** إنَّ الهوى مـا تولّى يُـصَم أوْ يَـصِـــم
وراعــــها وهيَ في الأعمالِ سائِمـــــةٌ *** وإن هي استحلت
المرعى فلا تُــسم
كم لذّة حسّنت للــــمرء قاتــــــــلةً *** من حيث لم يدرِ أنّ السّمّ في الدّسـم
الأصل في الأشياء الصلاح
والخير، إلا أن الأصل يتغير بحدث يعكر هذا الصلاح، ويغير مجرى ومسرى الإستقامة. ولو
عدنا لعهد الخليقة الأول حين تحدّر سيدنا آدم إلى هاته البسيطة وكوّن أسرة، لوجدنا
الأجواء مهيأة لهم ولجمعهم في أكمل صورة، لكن جرت أول جريمة على الكرة الأرضية،
وأريق دم أول كائن بشري في قصة قتل قابيل لهابيل، ولمّا سقط إبن آدم في هاوية نفسه
وتردّى بإثمه عن درجة التكريم الإلهي، شعب الله إليه طائرا جارحا ليعلّمه كيف
يواري سوأة أخيه.
الواقعة تولدت عن غويّ
قابيل وانقياده للنفس المطوية على الشر{ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله} [سورة
المائدة]، أي زيّنت وراودت وتحايلت، لم يقل سبحانه فطوع له الشيطان، أو فطوع
له إنسان، وإنما قال 'فطوعت له نفسه' لأن لتلبيس النفس وغوايتها سطوة أخطر من سلطان
الشيطان.
إن الشر يأتي من أثرة
النفس في الاستحواذ على كل شيئ يغريها، والإستعجال في تلبية أوامرها، فتوسوس لبني
آدم وتسول له السوء والشر بشتى الطرق، { إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي }
سورة يوسف، الشيطان يكيد حقيقة ويوسوس بالمعصية وبطريقة معروفة وتدرج، فإن وجد
مؤمنا صلبا أوّابا إلى الله، مستعيذا به منه، يضعف أمامه ويعود القهقرة {إن كيد
الشيطان كان ضعيفا} .
أما النفس فتلح على شيء بعينه، تظل تناور وتراود ، وتأبى أن تترك صاحبها حتى
ينساق ويخضع.. وإن استمر في التلبية يتبدل حاله وما يحوطه به؛ من نور وسكينة
وسلامة الى ظلمة وندامة ولعياذ بالله، من استقرار الى اضطراب، ويستمر الحال في
التراجع من سيئ الى أسوأ، ما لم يعد ويصوّب أخطاءه ويكبح جماح نفسه، وجشعها في بلوغ
كمال ماديّ في الصحة في المال والسلطة والجاه والقوة والثروة ... إلخ
لا جرم، أن الرغبة في بلوغ الكمال رغبة طبيعية، بذرت في قلب بني الإنسان من
أجل دوام السعي في تعمير الأرض، بيد أنها رغبة مقننة، وضع الله لها ضواط وكوابح،
لعلمه -جل وعلا- المسبق الحقيق بأن عمارة الأرض لا يكون بدمار وفراغ داخل الإنسان،
ولهذا فالمؤمن يعي هذا ويفهم معنى وجوده، ويفقه جيدا أبعاد ومعاني { إن الله لا
يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }، فيحركه قلبه المقبل على الله لرؤية شأن
نفسه في صلاح أو رداءة محيطه، فيشمر للتزكية والتغيير، ويحرر غايته المنشودة للكمال
من عقال المادة وسجنها إلى استكمال الأخلاق واستتمام الإيمان؛ لأنه يتوق لجنة
الرضوان ولقاء رب راض غير غضبان.
المؤمن مطالب بالنظر في حاله، ومراجعة نفسه، فإن وجدها على خير حمد الله، وشكر
فضله وتشوّف للمزيد، وإن وجدها على خلاف ذلك عمل على تهذيبها بما يقتضيه منطق
العقل والشرع لمن شاء بإرادته أن يستقيم.
جملة القول، إن بمخالفة هوى النفس وفطامها تتحقق الإستقامة في الحال، والسعادة في القلب والمآل، فنوال بمن علم هذا أن يلزم، وإن استطعم يداوم في المجاهدة وكما يقول الغزالي رحمه الله : لا يكفي في نيل السعادة استلذاذ الطاعة واستكراه المعصية في زمان دون زمان، بل ينبغي لأن يكون ذلك على الدوام في جملة العمر، وكلما كان العمر أطول كانت الفضيلة أرسخ وأكمل، ولذلك لما سئل عليه السلام عن السعادة قال: طول العمر في طاعة الله..."
دمتم أحبتي بسلام ووئام - مليكة
#التغيير الذاتي الفردي يحقق التغيير الجماعي
كيف اتغير,كيف أتغير,كيف اغير حياتي,التغيير,تغيير,كيف انجح,كيف اتغير للافضل,كيف تتغير,كيف أتغير؟,كيف اتغير ابراهيم الفقي,كيف أتغير جذريا,كيف اغير حياتي في 30 يوم,كيف أتغير للأفضل,كيف تغير حياتك,كيف اغير نفسي,خطة التغيير,كيف استمر بالتغيير,قررت اتغير,الأنبابنيامين : كيف أتغير للأفضل؟,كيف أبدأ بالتغيير,اتغير في رمضان,كيف,كيف اغير حياتي الى الافضل,ازاي اتغير للاحسن,كيف أغير حياتي نحو الأفضل,التغيير الذاتي,قررت أتغير,كيف افهم نفسي
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...