قراءة حول ما يحدث في غزة
تخجل الحروف عن مواساة شعب أناخت به المصيبة، ولقي من شدائد ودواهي الاحتلال ما لقي. أستحيي من صبر وشموخ أمّ ثاكل تنتحب نحبة هائج أزمع على الصمود لآخر نفس مهما كان الثمن، بينما أنا هانئة في بيت آمن...
يخجل الكلم ويستحي من شعب صغاره وكباره رجال أشداء، اتخذ الله منه شهداء {منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} 1 (الأحزاب - الآية 23).
نخجل من عجزنا
عن نصرة أرض تمسّك ثراها وتطيّب بدماء الشهداء، قوم يطبّبهم شهداء، يعزّيهم شهداء
ويبكيهم شهداء... فسامحونا يا أهلنا نحن الأموات وانتم فينا الأحياء
باعوا الدنيا واشتروا الآخرة. فطوبى لهم مجدٌ مسنّم وحياة أبدية في جنات لا غول فيها ولا تأثيم.
طبيبة فلسطينية تصرخ أمام عدسات الكاميرات بسبب تواصل ارتفاع أعداد المصابين والـ.ـشـ.ـهـ.ـداء في قطاع غزة#قناة_الغد #فلسطين #غزة #مستشفى_المعمداني pic.twitter.com/2G0V0GhEcs
— قناة الغد (@AlGhadTV) October 18, 2023
لا عذر في
الصمت عما يفعله جيش الاح ى تلال المتمادي في صب لجام غضبه على
الأبرياء وقد أصابه السّعار. استقوى على العزّل والأطفال، لم يكفه قصف الأحياء
السكنية، واستهدف في جرم بيّن مستشفى المعمداني ومدرسة الانروا بمخيم المغازي تأوي أطفالا مصابين،
ملفّقا التهمة مجددا لصاروخ المقاى ومة.
أيعقل للقلم الحر أن يقف في الحياد أمام المجازر والأشلاء المتناثرة على تراب ارتوى بدماء المدنيين ودموع الثكالى في غزة! تتحجر العبارات وتنساب العبرات من هول المشاهد، هل يمكن لمرء يحمل ذرة إنسانية أن يطبق فمه ويقبض يده...!
كيف يقتل رضع في 8 و5 أيام! بأي ذنب تئن طفلة في عمر 4 أشهر من حروق قذائف
الفسفور...؟ بأي شرع أستبيحت دماؤهم وأرواحهم؟ وما للخرس يعّم العالم!
ما تعرفه ارض الأقصى مأساة إنسانية، حرّمتها
كل المواثيق الأممية والعهود الدولية. ليس من المروءة غض الطّرف عمّا يجري والمضي
في حياتنا بشكل عادي، موقف التغاضي كأن شيئا لا يحدث لن يجدي، الصمت هذه المرة ضريبته ثقيلة، وهو مختلف عن كل ما مضى وستكون عواقبه وبالا على كل حر ومسلم.
الذي يحدث اليوم يمكن أن يغير وجه التاريخ
وتوجه العالم بأسره، ولو نُوّل المراد فلن تهنأ بلاد ولا عباد، ولن يبقى حسٌّ لقُدْس
ولا مَقدِس ولا مُقدّس.
إن الحكم بالسجن على من يحمل كوفية، أو
يرفع أعلاما فلسطينية، ليس هو القضية. القضية قضية وطن، قضية شعوب استحوذ عليها
الوهن، قضية عِزّة أمّة قبل أن تكون عِزّة شعب أُجبر على الدفاع عن نفسه واسترجاع أرضه
المغتصبة...
الأحداث الأخيرة في رقعة غ ى زة رغم التعتيم
والتشويه الإعلامي، أسفرت عن مفاهيم مهمة تتعلق بالعلاقة بين الغرب والشرق، بين قوي
وضعيف، والتأثير الذي يمكن أن تمارسه قلّة في مصير مجتمعات وشعوب. وقد كانت أمة من
الناس إلى عهد قريب تعتقد أن هاته القلّة التي تمثل 20% تملك السيطرة
الكاملة على جوانب حياة، وأنها تحكم مصير الشعوب وتضعهم في قبضة كف، تبسطه وتضيقه متى
شاءت وكيف ما شاءت.
من المؤسف أن هذا الاعتقاد البائد، كان
- وربما لا يزال - جزءًا من تفكير شريحة عريضة، سلموا بقدرة التقنيات الغربية المطلقة على معرفة ما في سرائرهم وضمائرهم، وأنه ليس هناك شيء في
العالم يمكن أن يحدث خارج إرادة الغرب وبعيدا عن عينه. وأن مصير البشرية تم تحديده
بالكامل وقضي الأمر، وعلى الشعوب أن تسلّم القوس باريها، وتُذعن لمسار مرسوم
ومحتوم، لا مناص لها منه إلا إليه.
ومن الإجحاف انكار ما أحرزه الغرب من تقدم خرافي تخطانا سنوات، ونحن من المستفيدين منه والمستهلكين الشريهين لوسائله. لكن من الهوان الإذعان والتسليم بمطلق قدرته على الرقاب.
الفكرة في الواقع، فعّالة في تثبيط
العزائم، وبث الشعور بالانهزامية والعجز عن القيام بأي محاولة في تغيير الأوضاع،
وما هي إلا أداة للسيطرة على الأفراد وكسر إرادتها.. ومن يتقصّى الأخبار يلاحظ بأن
الانجازات القليلة التي تشهدها الساحة العربية والإسلامية والتي من شأنها أن ترفع
الروح المعنوية للمسلمين، يتم التشويش عليها بتزييف حقائقها وتغييرها خدمة لغايات
معينة ولفائدة أطراف دون أخرى. كما يفعل الآن في أحداث غ. زة.
شغل المناورات والحرب الإعلامية لجلب التعاطف الدولي وتزوير الأحداث، مثل ما فعلوا في قضية قتل أطفال اليهود وقطع رؤوسهم.، لم يفلح. و إعلامهم انقلب عليهم وكذبهم وفنّد ادعاءاتهم.
تضليل الرأي العام حول الجرائم المرتكبة
في حق المدنيين والأطفال بفبركة الصور، ونشر أقوال وَصمَتْ المق.اومة بالإر.ه ى اب
وأنها أكلت الطُّعم وجنت على أهلها في غ ى زة، وأخرى تدّعي أن ما قام به طو. فان الأق.
صى ليس إلا تنفيذًا لمخططات تمّت بتواطؤ مع عناصر صه ى يونية كانت على علم مسبق به.
الأعجب من هذا، كيف تسيطر الأباطيل على
عقلية أعدادٍ منّا، بينما زعماؤهم يقرّون بهوانهم وحيرتهم في إرادة لم تقهر بلهيب
النار ولا بضغط الحصار. الأسبوع الجاري خرج رئيس مجلس الأمن القومي الإسر.اى ئيلي
في مؤتمر صحفي يعترف بهزيمة قومه أمام حم ىاس ويقول حرفيا بعبارات متلعثمة " أخطأت
في تقديري بقول أن حماى س لن تجرؤ على التحرك ضدنا لسنوات".
أيّا كان الذي حصل، فالوضع لا يتحمّل
الانشغال بالتنظير والتطبيل بما يقال ويروّج، وربما آن الأوان للشعوب المهزومة
نفسيا أن تتعلم كيف تتصدى للأحداث وتوجهها لنصابها. ينبغي أن تؤمن بقدرتها على
التغيير ومجابهة تحدياتها بنفسها دون توصيات أو تقديم تنازلات، إن أرادت ذلك!
إن فرسانا حنّكتهم السنين العجاف،
وسنّنت رماحهم المرارات علموا أن من 'ولد ليزحف لن يطير' 3 ، وأن
الخلاص يخرج من صهارة الألم والإيمان والعلم والعمل. فانطلق البواسل، لم يحبسهم
أسلوب التجويع والترويع، ولم توقفهم غارات القنابل الحارقة والظروف الخانقة عن
صناعة أجيال رجال، تدجّجوا بالعلم والإيمان رغم بؤس الحال.
شعب فلس ى طين، الذي يعيش في ظلم
الاحتلال لـ 95 سنة منذ الاحتلال البريطاني سنة 1917، درّس أطفاله في جنح الليالي الحالكة، وهو الشعب الأقل عربيا في
نسبة أمية 2،2% 2 والانهزامية. مقاى ومتهم على عزلتها وقلّة حيلتها، أظهرت
حقيقة الفزّاعة التي تضامّت لنصرتها قوى الظلام، وفضحت واقع قوة عسكرية أعدّت
السلاح الأكثر فتكا ودمارا في العالم بيد أنها نسيت أن تُعِدّ رجالا تحمله...
لا يمكن أن يستوي جندي ناعم يفتخر "بمثل ى يته" ولا عربيد يتعنتر على طفل وامرأة، مع رجل يسكّن روع أسرى عدوه من النساء وصغارهم، ويسدّد ضربته في مرمى الخصم ولسانه يترنم بكتاب الله.
ذلك الجيش المخيف، تختبئ جنوده المذعورة
خلف الدبابات وداخل حاويات القمامة وقد بلّلوا بزّاتهم وتفلّلت مضاربهم. تهيّبوا
من خوض مواجهة مباشرة مع رجل صنع سلاحه من أنابيب الماء بعد أن كان يدافع عن عرضه وأرضه
بالحجر والسلاح الأبيض في انتفاضاته الأولى .
غ ى زة وإن تكالبوا عليها وحولوها إلى محرقة وأطلال رمادية، فإن ما فعلته في قلب التضييق والخناق الذي يُمارس عليها ومن قلب المحن التي عاشها أهلها، يعد انتصارا حقيقيا يرفع الرأس للأمة للإسلامية وليس لها وحدها ولهذا يراد لها الإبادة على صغرها، لأنها تخيفهم وتوجعهم بصمودها وشموخها.
ما حدث في غ ى زة، كسر القيود التي زرعت في عقولنا وعقول أجيالنا لعقود، وفنّد الاعتقاد الهش بقوة اسرى ائ يل التي لم
يجرؤ احد على التصدي لجبروتها. انتصار غ ى زة أماط اللثام عن وجه الحقيقة، وأحيا قضية طالما أرادوا الاجهاز عليها، وأثبت فشل سياسة قتل الروح المعنوية وهدم المبادئ القيمية
والدينية لدى أبنائنا.
حصن غ ى زة الذي استعصى عليهم، هو
الورقة الباقية للأمة، وإسقاطه ليس الغاية الوحيدة. هناك أمر أكبر، يطبخ في الكواليس، وقد
تحالفت القوى العظمى على تنفيذه، ولن تنحصر تبعاته على أرض فلس ى طين وثاني الحرمين..
المقال لم يأتي للتخويف أو إسداء
النصائح، فالتوجيه يجب أن يصدر من عارفٍ بأمور الدين والدنيا وملمٍّ بجوانب
وحيثيات ما يحدث في الساحة، وموقفي لا يخوّل لي ذلك فما انا بإعلامية متتبّعة للشأن
السياسي، ولا بداعية ولا عالمة. ولكن وجب التنويه في هذا الظرف العصيب، أن لكل فرد رسالة وهو قادر
على يخدم الاق ى صى من موقعه، ولكلّ منّا مسؤوليته في التنوير ونشر الوعي بالقضية
وأبعادها، وحري بكل ذي لب أن يفطن لأهمية دوره القصوى في تشكيل التفكير المستقل وتقدير
مصيرنا ومسارنا بالوعي ثم الوعي ثم الوعي.
إن القادة الكبار لا يأتون من العدم،
وأوصي كل أم أن تعكف على تعليم أطفالها وتصحيح المفاهيم لديهم، أن تعلّق هِممهم
بأمور عظام بدل انشغالهم بالسفاسف، تربيهم على الجرأة والشجاعة وتغرس فيهم قيم
دينهم وحب الأقصى وفل س طين.
أطفالنا مشاريعنا ورأس مال الأمة، وما عجزنا نحن عن إحرازه وتغييره هم بإذن الله قادرون على نواله، وهذا ما يجب أن نعدّ له وننشغل به.
أذكر أخواتي الأمهات
بأن تربية القائد العظيم، تبتدئ من سن صغير، وخير مثال يحضرني قصة وردت في كتب
التاريخ وهي لمحمد الفاتح الذي كان في يوم من الايام مشروع أمٍّ لأمةٍ.
أم محمد الفاتح كانت تأخذ ابنها في صغره إلى صلاة الفجر ثم ترافقه ليشاهد أسوار القسطنطينية العظيمة. وتخاطبه بخطاب
الواثق، أنه سيكون يومًا ما من الأمراء العظماء الذين سيفتحون تلك الأسوار
العالية. قائلة: "يا محمد، اسمك هو نبأ رسول الله، فأنت ستكون نعم
الأمير." ثم تحمل كفيه الصغيرتين بيديها وتردد على مسامعه دعاء يمتزج فيه اليقين
والتوجيه مع الاعتماد على الله: "يا رب، يا عظيم، يا مجيب الدعوات، يا قادر
على كل شيء، اجعل ابني هذا الأمير الذي يفتح القسطنطينية، اجعل البركة في هاتين
اليدين، واجعل نصر المسلمين يأتي من خلالهما." استمرت الأم في الرعاية والإعداد
بالعلم والقرآن والأخلاق وحب الآخرين، علمته فنون الصبر والمثابرة إلى أن تحقق
الذي كان بالأمس حلما.
صناعة الرجال وتكوين القادة، يتطلب جهدًا
وإيمانًا قويًا واحتسابا، والآباء لهم دور كبير في بناء شخصيات أبنائهم وتوجيههم نحو النجاح والرفعة والنماء.
للإشارة، بعض المصطلحات كتبتها بشكل مرموز حتى لا يحذف المقال! مليكة
_____This sweet angel got trapped under the rubble and almost suffocated after her house was bombed by lsraeli warplanes west of Gaza. pic.twitter.com/iMR2utmIXO
— TIMES OF GAZA (@Timesofgaza) October 19, 2023
مراجع
1 سورة الأحزاب
- الآية 23
2 الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
3 مارتن لوثر
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...