مأساة كنزة: صرخة أخرى في وجه الإنسانية المغيبة
في اول خروج لأم مشغلة كنزة، نفت كل ما نسب لابتنها من تعريض المساعدة للتعذيب والترهيب والتجويع، وتقول بأن البنت تعاني اضطرابا نفسيا وما عاينه الطبيب انما هو اعتداء قديم جراء التعنيف الذي لقيته من اخيها، وانها لم تحرم من تواصلها مع اهلها، ولم تكن ممنوعة من الخروج، ولا محرومة من راتبها الشهري.
قصة كنزة ضحية الاعتداء فجرت غضب الشعبي، مطالبا بإنزال أشد العقوبات على المشغلة التي كانت تدعي بانها قاضية تحقيق. الأصوات الغاضبة إلى تحقيق العدالة وإنصاف كنزة. سائق التاكسي بدوره لم يستطع إخفاء غضبه، داعيا أن يأخذ القانون مجراه وأن يتم القصاص من المعتدين.
الفتاة ذات السبعة والعشرين ربيعا، التي يقال انها تحملت من الأهوال والقهر ما يصعب وصفه او تخيله، تقول بأنها لم تكن تعلم أن اختيارها للعمل كمساعدة منزلية سيسوقها إلى دهاليز الظلم والقهر والاستبداد. كانت تريد أن تعين والدتها بعد وفاة ابيها بطرق باب الرزق، لكنها وجدت نفسها في كنف اشخاص تجردوا من الحس الإنساني والأخلاقي، استغلوا ضعفها لينزلوا بها شتى أصناف العذاب النفسي والجسدي الممنهج.
انقسمت المواقف بين من يرى ان كنزة تعرضت لأشكال متعددة من الإساءة من المشغلة والزوج جعلت حياتها كابوسا لا ينتهي، لم يتوان الاثنان عن استخدام كل وسائل الترهيب والتعذيب ضد الفتاة. ضرب، إهانة، قص شعر، حرمان من النوم والاكل، العمل القسري المتواصل. يعني باختصار حولوا المنزل الذي لجأت إليه كنزة بحثا عن الأمان والرزق الحلال، إلى جحيم. وعندما اتيحت فرصة الهروب، نفذت الفتاة بجلدها وهي لا تعرف اين تتجه. ركضت بكل ما تبقى فيها من جهد حتى وصلت إلى الطريق العام، حيث استقلت سيارة أجرة. سائق التاكسي الذي نقلها روى للصحافة كيف كانت ملطخة بالدماء على مستوى أذنها ووجهها وكيف كانت نظراتها تائهة ومرعوبة.
بينما الرأي الاخر ينفي تماما كل التصريحات التي ادلت بها كنزة وروايات الشهود الاخرين. ليتبين في المستشفى، أن الفتاة تعاني بالفعل من عدة كسور؛ في يدها اليسرى وانفها والجانب الايسر من جمجمتها وقفصها الصدري وعمودها الفقري، وفقدت القدرة على السمع بإحدى أذنيها.
الطبيب الذي أشرف على حالتها ذكر بأن الكسور متباينة التواريخ وكسر يدها حدث قبل 20 يوم تقريبا ( يعني في فترة تواجدها عند المشغلة )، وان الفتاة قدِمت للمستشفى في حالة مزرية جسديا ونفسيا والفريق الطبي عمل جاهدا على توفير ما يلزم لاسعافها وتهدئة روعها.
حتى لو فرضنا صحة ادعاء ام المشغلة بان الكسر في اليد قديم، فماذا عن الكسور الاخرى ؟ من تسبّب بها؟ وما سبب الكدمات والدماء التي كانت على كنزة ؟
على أي، نحن لن ننفي ولن نؤكد قولا عن قول، فقط نتساءل، والفتاة توجهت اليوم للطب الشرعي لكشف ملابسات هذا الامر وسيتضح كل شيء في الايام القادمة. ولو ثبتت اقوال الفتاة لكانت هذه القصة مأساة اجتماعية وإنسانية تضاف لما يحدث وتكشف عن وجه بئيس مكفهر للإنسان. وتبعث نداء لتحقيق العدالة وصرخة استغاثة لعلها تحرك ضمائر غافية وغافلة.
بعض الجروح أعمق من ان تسكنه حبة بانادول او تسعفه عملية ترميم على عجل. قد يعالج الطب كسور العظام واعطاب الأجساد، ولكن من يعالج اعطاب العقول، من يرمم النفس عندما تكسر، ومن يطبّب جروح القلب التي تنزف. ومن يقوّم السلوك المعوج في بني البشر، يؤذون غيرهم ويعيشون دور الضحية، ويمغطون الحقوق بضمير ميت ولا يفكرون في يوم تشخص فيه الابصار ولا ينصر حميم حميما ...
الحياة مرحلة وتنتهي ثم نترك كل الماديات التي كنا نسعى لكسبها ولن نأخذ معنا إلا ما قدمنا من أعمال صافية خالصة تشفع لنا وتقينا شر ذلك اليوم.
وان الانسان ليبلغ بحسن خلقه درجة الصوام القوام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث الصحيح "ليس شيء أثقل في الميزان من الخلق الحسن". نسأل الله أن نكون من هذا الصنف.
رواية كنزة ولو لم تكون صحيحة، ذكرتنا بواقع مرير تعانيه الكثيرات. ولعل القصة توقظ الإنسانية المغيّبة.. ولا حول ولا قوة الا بالله
💥 المشغلة وزوجها تم اعتقالهما ومتابعتهما بتهم ثقيلة💥
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ. {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} صدق الله العظيم.
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...