أهمية الأسرة في المجتمع
![]() |
أهمية الأسرة في المجتمع |
سلسلة أهمية الأسرة في المجتمع للأستاذ القدير الباحث في شؤون الأسرة المستشار وحشي عبد العزيز الذي شرفني بقلمه الوازن على صفحات المدونة.
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين و على آله و صحبه أجمعين . « رب اشرح لي صدري و يسر لي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي »
لما كان المطلوب هو إعداد تصور للأسرة المسلمة المنشودة ، فقد دبجت في هذه الورقات ما وسعت و ما اقتضاه مقـام المقال البالغ الأهمية ، طرحته في ندوة خاصة بالمجلس العلمي المحلي بمدينة الرشيدية ونقلته قناة السادسة ، اقتصرت فيه على المهـم و اكتفيت بالأهم ، فأقول و بالله التوفيق أن الأسرة في العرف الاجتماعي ، هي ذلك التجمع البشري الصغير المتكون من الزوجيـن و الأبنـاء و الذي قد يتمدد ليشمل غيرهم ، فتنشأ بذلك شبكة واسعة من ذوي القربـى من الأجداد و الجدات و الإخوة و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و غيرهم ممن تجمعهم رابطة النسب أو المصاهرة أو الرضاع أينما كان مكانهم (1) و قد تتقلص فتنحصر في الزوجين فقط .
و الأسرة أهم لبنة في بناء المجتمع المسلم ، و قطب الرحى و حجـر الزاوية فيه ، إنها اللبنـة الأولى و الوحدة الاجتماعية الأساسية للمجتمع ، تتجسد فيها أركان المجتمـع و مقوماته البنائية ، و مهما صغر حجمها أو عدد أفرادها ، فإنهم يرتبطون بعلاقات عاطفية و اجتماعيـة و مالية ، تنظمهم حقوق و واجبات ، تناولتها زوجتي الفاضلة مسبقا في مقالاتها (2) وقد اهتـم المنهـج القرآنـي بالحديـث عنـها اهتماما بالغا ، فبيّن أسـس تكوينها ، و أسباب تكوينها ، بل تنـاول بالتفصيـل حقـوق و واجبـات كـل فـرد فيهـا حيـال الآخريـن .
و تعاليم ديننا الحنيف تحفظ للأسرة حاضرها و مستقبلها ، و تحيطها بسياج منيع من الضمانات يقيها شرور الفتن والشقاء و التصدع ، و يبعد شبح الطلاق المرعب عنها ، و يجعلها بالفعل فضاء السكون و الاطمئنان و الحضن الدافئ لتربية النشء على ثوابت دينه و مقومات هويته الحضارية الإسلامية ، و على المواطنة الصادقة المتشبعة بقيم العطاء و التضحية و البذل و الصلاح و النبل .
و الأساس الذي تنشأ منه الأسرة في شرعنا هو رابطة الزواج الشرعي ، ذلك العقد المقدس و الميثاق الغليظ الذي لا بديل و لا عوض عنه في ديننا الإسلامي ، و الذي يرتبـط بمقتضاه الرجـل و المرأة لتحقيـق مفاهيم العفة و الإحصان ، و المعاشرة بالمعروف ، في إطار من المودة و الاحترام و الرحمة و الانسجام .
و رغم ما يكاد لها ، فإن الأسـرة المسلمة بحمد الله تعالى و واسـع فضلـه و كرمه ، لا تزال حصنا حصينا ، و قلعة منيعة تتأبى على السقوط بالكلية ، و إن كانت بوادر الأخطار المحدقة بها قد بدت تلوح في الأفق ، يعكسها بالأساس اتساع دائرة العلاقات المحرمة خارج إطار مؤسسة الزواج في مجتمعاتنا و ما ينتج عنها من لقطاء و أطفال شوارع ، ثم الارتفاع المهول لنسب الطلاق بمختلف تأثيراتها السلبيـة على طرفي العلاقـة و أولادهمـا ، و كثـرة المنـازعـات و الخصومات الأسرية التي تشهدها ردهات المحاكم و ينوء بها كاهل القضاة بمجموع الدول الإسلامية .
لذلك فالواجب يحتـم علينا جميعا ، كل من موقعه ، أن نـذود عـن حياضها و نعمل على تقوية عوامل مناعتها و تماسكها بالوقوف صفا مرصوصا في وجه كل العوامل الهدامة التي تروم زعزعة أسسها و قض بنيانها ، لأن ذلك هو الضمان الوحيد لسلامة المجتمع المسلم و انتشال أسره من الضياع .
و لبلورة تصور واضح للأسرة المسلمة المنشودة ، لا بد من تسطير الغايات و الأهـداف التي تقـف وراء إيجاد هذا النموذج المرتجى ، ثم بيان الأساليـب و الوسائل التي يجب اعتمادها ، و التوجيهات و الرسائل التي يلزم بعثها لكل من المقبليـن على الزواج و المتزوجيـن مـن جهـة ، و للآبـاء و الأمهـات مـن جهـة أخـرى .
أ - هل يستحضر كل منا أن الزواج عبادة ؟
ب - كيـف السبيـل إلى تحقيـق معانـي الإحصان و العفاف و المحافظة عليهـا فـي الـزواج ؟
ت - ما هي المعيقات و العراقيل المانعة من تحقيق هذه المقاصد ؟
- عدم مراعاة المواصفات الشرعية في اختيار الزوج أو الزوجة.
- تجاوز الحدود الشرعية في الخطوبـة ، و ما تعرفه فتـرة الخطبة من خلـوة و تهتـك .
- تدخل الأجانب بشكل سافر لإفساد الزواج دون مراعاة لقدسيته .
- التركيز على البهرجة و المظاهر المادية للزواج و تكاليف العرس الباهظـة ، و لو مع قلة ذات اليد ، مع ما يعرفه حفل الزفاف من اختلاط بين الجنسين .
- وجود علاقات جنسية غير شرعية أثناء العلاقة الزوجية كالشذوذ و عدم اعتزال النساء أثناء فترات الحيض و النفاس . ولقيام زوجية ناجحة ، و إنشاء أسرة متماسكة ، حددت الشريعة الإسلامية معايير للزواج الناجـح ، ينبغـي مراعاتها بما يحقق مصلحة الأمة و الأسـرة عموما و الأطفال على وجه الخصوص ، منها : التديـن الصحيـح ، و الخلـق الكريم ، و المنشأ الطيب ، و يجوز التماس صفات أخرى معها.
و من عوامل نجاح الزواج أيضا مراعاة التكافؤ في السن و الثقافة و البيئة الاجتماعية ، و خلو الزوجين من الأمراض المنفرة أو المعدية أو الوراثية الخطيرة (1) و تيسير سبله و تذليل العقبات و الصعاب الصارفة عنه بالتأكيد على التزام السلوك الإسلامي المتوازن المراعي لضوابط الاختلاط المباح شرعا و الذي يقف في المنزلة الوسطى بين الإفراط و التفريط و التضييق و الانفلات ، مع محاربة المغالاة في المهور و الإسراف في حفلات الزواج، و كل العادات السيئة في مجاله ، بما يلزم من تدابير و إجراءات(3) .
و لتحقيق مفاهيم السكـن و المـودة و الرحمة و اجتناب اختزال الزواج في العلاقة الجسدية المحضة، نقرأ في المادة 17 ما يلي :
المادة 17 : حتى لا تنحصر العلاقة بين الزوجين في صورة جسدية بحتة ، فقـد نبهت الشريعة إلى أن من مقاصد هذه العلاقة أن يسكن كل من الزوجين إلى الآخر ، و أن تتحقق بينهما المودة و الرحمة ، و بذلك تؤمن الشريعة لكل أفراد الأسرة حماية اجتماعية هانئـة و سعيـدة قوامـها المودة و الحب و التراحـم و التعـاون في السـراء و الضـراء و تحقـق الاستقرار و السكـن النفسـي و الثقـة المتبادلـة .
و شرعت لتحقيق هذا المقصد أحكاما و آدابا للمعاشرة بالمعروف بين الزوجين، و غير ذلك من الأحكام التي توفر الجو العائلي المملوء دفئا و حنانا ، و مشاعر راقية . (2)
أما الآليات التي نقترحها لاستحضار كون الزواج عبادة و تنزيل هذا الفهـم و المعنى في زيجاتنا، فسنرجئ الحديث عنها إلى المحور الموالي بحول الله تعالى و قوته ، فيما سنحاول الآن الإجابة عن التساؤل الثاني بصيغته التالية : كيـف السبيـل لتحقيـق معاني الإحصان و العفـاف و المحافظة عليها في الـزواج ؟
( يتبع بإذن الله )
الباحث في شؤون الأسرة ذ وحشي عبد العزيز
اقرأ أيضا:👇
تسعدني زيارتك كما يسعدني رأيك بالموضوع مؤيدا كان أو معارضا، فإن كانت لديك ملاحظة أو انتقاد فلا تتردد.. أكتب تعليقك هنا أو ملاحظتك وسأرد عليها بعون الله...